جامعة الدول العربية و القضايا الإقليمية المعاصرة ــــ ليبيا نموذجا ـــ الحلقة 08 :حالة و وضعيـــة .

جامعة الدول العربية و القضايا الإقليمية المعاصرة

ــــ ليبيا نموذجا ـــ

الحلقة 08 : حالة و وضعيـــة .

ان التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي الليبي  ، خاصة من قبل بعض الدول العربية  ، قد " مزق" السيادة الليبية  ، وزاد الأوضاع  " المعقدة" أصلا " سوءا " و" انسدادا" .
انه مشهد غاب فيه صوت المواطن الليبي وتكلمت بدلا عنه أطرافا خارجية  ، وجامعة الدول العربية بقيت دون "صوت" رغم أن ميثاقها الصادر عام 1945  ، يبيح لها حق التدخل في الوقت المناسب و بالوسيلة المناسبة.

الاستاذ عبد الحميد دغبار
 لقد عاش الشعب الليبي منذ عام  : 1969م وإلى عام : 2011م أي أكثر من « 40 » سنة في دولة[1] تُسَيَّرُ من طرف "فرد" واحد [2] لا من طرف مؤسسات كما هو جار العمل في عالم اليوم ، و « الضحية » الأولى في مثل هكذا دول هو : الأمن و الاستقرار و التنمية المستدامة [3] .  فدوامة « العنف » تؤدي بالضرورة  « للفوضى » التي لا أمل معها في مستقبل أفضل .
إن الفوضى «آكلة » للأمن القومي في هذا البلد ، و هذا « التآكل » إن طال سوف « يمس » في العمق الأمن القومي لدول الجوار ثم الأمن القومي العربي بشكل عام[4] .
و نظرا لكون دوام الحال من المحال كما يقال، و طالما أن وضع ليبيا هذا « غير طبيعي » فإن الأمل يبقى قائما في مستقبل سمته العدل و الإنصاف و الحرية و الديمقراطية.
و بعبارة أخرى نقول هنا[5] أن « شجرة » العنف رغم ما تحمل أغصانها من « بشاعة »[6] ، لا يمكن أن تكون هي «الغابة » التي « تخفي » أو « تقتل » الأمل عند الشعب الليبي ، فيوم « قلب المعادلة » لا نراه بعيدا حتى و لو كان البعض ، يرى أن « الفوضى » السائدة اليوم في ليبيا ، قد « أضعفت » الجميع في الداخل[7] ، و زادت من قوة المتربصين بالبلد من الخارج و الذي لا هدف لهم إلا الاستفادة من ثرواته[8] .
نعم لقد «عجز » الجميع في مواجهة ذلك المتربص بالبلد [9] بسبب تلك « الانقسامات » التي تشهدها الجبهة الداخلية[10] ، لكننا نقول[11] أن هذا مسار كل ثورات التغير السلمي ، و الإصلاح الشامل التي شهدها العالم [12] ، منذ بداية هذا القرن ، فمتى كانت ثورة بحجم ما تعرفه ليبيا اليوم، دون أن « تتعرض » لمثل هذه « المطبات » ؟ .
حقا أن لكل جواد كبوة ، و لكن « شعب » زمن[13] تضيع منه فيه خارطة الطريق ، و يكون يومئذ في وضع « هش » و مجبر على دفع « ثمن » ذلك من دم أبنائه ، لكنه في نفس الوقت يعرف أنه هو من سينهي ذلك « العجز »[14] بالنظر لما يحمل ذلك من صدق « الرؤية » ، و عوامل أخرى معاصرة و مساعدة تجعل منه في لحظة ما قادرا على « المواجهة » و تحقيق النصر .   




[1]  ـــ إن مفهوم الدولة عندنا هنا يعني النظام السياسي القائم.
[2]  ـــ نعني بذلك « معمر القذافي ».
[3]  ـــ إننا هنا نؤمن بـأنه يمكن أن ينشأ من شيء « سلبي » شيء « إيجابي » ، فما تعيشه ليبيا اليوم « 2020م » سيسجله التاريخ على أنه أحد « مأساة » هذا القرن ، و أن منظمة الأمم المتحدة ، و مؤسساتها الفاعلة في مجال حفظ السلم و الأمن « عجزت » عن حماية الشعب الليبي ، رغم ما كان قد بذله مبعوثها من « جهد » لتحقيق ذلك .
و جامعة الدول العربية أيضا لم تكن يوما في مستوى « تطلعات» الشعب الليبي، لأن هياكلها خاصة منها « الأمانة العامة » و منصب الأمين العام بالتحديد ظل « يسيطر عليه » و "يحتله" من يحمل جنسية بلد المقر « مصر » فأغلب الأمناء العامون للجامعة  منذ : 1945م و إلى اليوم « 2020م»  يحملون الجنسية المصرية ، حتى أن الأمانة العامة للجامعة تحولت مع مُرُورِ الوقت حسب رأي العديد من المتابعين إلى مكان « للراحة و الاستجمام » لوزراء خارجية مصر عند إنهاء مهامهم ، أو انتهائها ، كوزراء للخارجية ، فكل وزير مصري تم إبعاده من الدائرة الوزارية ، يبدأ « السعي » و من ورائه دولته لأخذ منصب « أمين عام للجامعة » لاستكمال « دورة الحياة » فمتى تتوقف « دولة المقر » عن هذا الفعل الذي « جمد »حتى لا أقول « قتل » نشاط الجامعة ؟ و متى « تفتح » دولة المقر المجال للكفاءات العربية الأخرى من الدول الأعضاء لشغل منصب الأمين العام للجامعة ؟ علما بأن هذا « الاحتكار » من دولة المقر ليس له ما يؤيده في مواد الميثاق و الملاحق الأربعة المكملة له . 
[4]  ـــ راجع الأستاذ عبد الحميد دغبار « جامعة الدول العربية و الأمن القومي العربي معالم التغيير ... و آمال التغير » ، « الطبعة الأولى » ، الجزائر : دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع ، 2011 م .
[5]  ـــ من البداية .
[6]  ـــ بكل ما تحمله هذه الكلمة من مفهوم و معنى.
[7]  ـــ في هذا المعنى يقول الكاتب الصحفي « قادة بن عمار » ما نصه: «... مؤلم جدا ما يقع للأشقاء الليبيين عقب انتهاء زمن معمر القذافي، إذ وجدوا أنفسهم في مواجهة مصير بائس... تحكمه أكثر من ... فصيل و ميليشيا واقع يبحث الجميع فيه عن الهيمنة بأي ثمن ، و لا أحد يبحث عن صالح الشعب و لا صالح البلد » .
راجع : قادة بن عمار « ما بعد تهديد حفتر » مقال منشور في جريدة، الشروق، اليومية الجزائرية ،الصادرة بتاريخ  : 02 محرم عام : 1440 ه ، الموافق : 12 سبتمبر سنة 2018 م ، العدد : 5931.
نحن لا نساير الكاتب في « بعض» ما ذهب إليه هنا مثل قوله : « ... مؤلم جدا ما يقع للأشقاء الليبيين عقب انتهاء زمن معمر القذافي إذ وجدوا أنفسهم في مواجهة مصير بائس.... » لأن هذه الفقرة تعني بوضوح كامل أن ما يقع في ليبيا اليوم من « بؤس » و « رداءة» يعود سببه لـ « انتهاء زمن معمر القذافي » فلو لم « ينته ذلك الزمن لما حصلت كل هذه المأساة » ، إن هذا القول لا يسنده « واقع »  و لا « حقيقة تاريخية » أو « سياسية » ، فالقذافي حكم ليبيا مدة قاربت النصف قرن أكثر من أربعين « 40 سنة » دون أن يفكر في إحداث أو إيجاد المؤسسات التي بواسطتها تضمن الحقوق ، و تصان الحريات ، و تحافظ على « بقاء » الدولة مهما كانت « الأزمات » التي يمكن أن يتعرض لها البلد ، و هذا يعني أن « القذافي » كان هو الحاكم بأمره ، و كان يعتقد أنه باستطاعته « الاستغناء» عن تلك المؤسسات ، فهو « عبقري » زمانه ، و دليله في ذلك « الكتاب الأخضر » ، الذي كاد أن ينزله منزلة القرآن الكريم، و بموته « سقطت » كل أوراق الشجرة دفعة واحدة فوقع « الفراغ » و « الفوضى» و « الضياع » ، و المصير البائس .
 و بالمختصر نقول : لقد كان لمعمر القذافي «سلطة مطلقة » في ليبيا ، و بموته « ورث » من جاء بعده « مفسدة مطلقة » همهم الأول و الأخير « الهيمنة بأي ثمن » دون « البحث عن مصالح الشعب و البلد » .
[8]  ـــ تعيش ليبيا اليوم « 2020م »، وضعا « حرجا » حتى لا أقول « خطيرا » بسبب ذلك « الاقتتال » المستمر لسنوات بين تلك الأطراف « المتنازعة » و « المتصارعة »، في الداخل ،بعضها تدعمها « القاهرة و أبو ظبي » و أخرى تساندها قطر و تركيا ، و مما زاد من حدة « الاحتقان » هو دخول أطراف أخرى « مؤثرة » مثل فرنسا و إيطاليا و حتى الولايات المتحدة الأمريكية ، الأمر الذي ساعد و لا زال يساعد على استمرار دوامة « العنف ».
إن ليبيا بلد « غني » بالنفط تلك المادة التي « كانت » و « لازالت » و « ستبقى» إلى وقت غير قريب في المستقبل    « تُسِيلُ لعاب » الدول الكبرى في عالم اليوم ، و تعمل « ما بإمكانها فعله » من أجل جعل مكان « وجوده » إما تحت سيطرتها مباشرة ، أو تحت سيطرة من يدين لها بالولاء في الدول « الهشة » ، و الغير مستقرة « أمنيا » كليبيا اليوم التي تعيش في « فوضى أمنية » أطرافها « كيانات » أو « أجسام سياسية » في الداخل « تحركها » و « تدعمها » أطراف  من الخارج لها مصلحة في ذلك ، قد تكون ــ هذه المصلحة ــ اقتصادية بحثة ، و قد تكون اقتصادية و سياسية ، و في كل الحالات مصلحة الشعب الليبي ،و البلد ليس في الحسبان ، عند هؤلاء جميعا .
 إنه « الاستقطاب » الذي « فرض » على الجميع العمل بما يخالف « الولاء للوطن » .
مؤلم جدا ما يقع للشعب الليبي جراء كل هذا إنه واقع رديء بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.
[9]  ـــ من المؤسف أن يكون من بين هؤلاء دولا عربية كجمهورية مصر العربية ، و دولة الإمارات العربية المتحدة ، إنه الأمر الذي لم يكن « يفكر فيه » أو حتى « يتخيله » أي كان في الوطن العربي، فضلا عن مخالفته الصريحة لميثاق جامعة الدول العربية الصادر عام : 1945م ، و تعارضه « شكلا و مضمونا » مع مجموع القرارات الصادرة عنها ، خاصة منها تلك المتعلقة بالعمل العربي المشترك ، و سنعود لتوضيح كل هذا في حلقات قادمة من هذه الدراسة .
[10]  ــ التي « استمرت » و « استقوت » بعوامل «خارجية » حيث « الدعم » المادي المباشر و غير المباشر ، و « الرعاية » الخارجية عند الضرورة و عند الحاجة .
[11]  ــ في نفس الوقت .
[12]  ـــ و منها الوطن العربي .
[13]  ـــ قد يطول أو يقصر .
[14]  ـــ و هذا ما هو منتظر من الشعب الليبي في المستقبل القريب.
صدر في  : جريدة جيجل الجديدة ، ليوم الاحد 11 محرم عام : 1442 هـ ، الموافق : 30 اوت سنة:  2020 م  ، العدد : 526.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم على موقع الاستاذ عبد الحميد دغبار
اذا اعجبك الموضوع لا تنس مشاركته