جامعة الدول العربية و القضايا الإقليمية المعاصرة ــــ ليبيا نموذجا ـــ الحلقة 08 :حالة و وضعيـــة .
جامعة الدول العربية و القضايا الإقليمية المعاصرة
ــــ
ليبيا نموذجا ـــ
الحلقة 08 : حالة و وضعيـــة .
ان التدخلات الخارجية في
الشأن الداخلي الليبي ، خاصة من قبل بعض
الدول العربية ، قد " مزق"
السيادة الليبية ، وزاد الأوضاع " المعقدة" أصلا " سوءا "
و" انسدادا" .
انه مشهد غاب فيه صوت
المواطن الليبي وتكلمت بدلا عنه أطرافا خارجية
، وجامعة الدول العربية بقيت دون "صوت" رغم أن ميثاقها الصادر
عام 1945 ، يبيح لها حق التدخل في الوقت المناسب
و بالوسيلة المناسبة.
![]() |
الاستاذ عبد الحميد دغبار |
إن الفوضى «آكلة » للأمن القومي في هذا البلد ، و هذا «
التآكل » إن طال سوف « يمس » في العمق الأمن القومي لدول الجوار ثم الأمن القومي
العربي بشكل عام[4] .
و نظرا لكون دوام الحال من المحال كما يقال، و طالما أن
وضع ليبيا هذا « غير طبيعي » فإن الأمل يبقى قائما في مستقبل سمته العدل و الإنصاف
و الحرية و الديمقراطية.
و بعبارة أخرى نقول هنا[5]
أن « شجرة » العنف رغم ما تحمل أغصانها من « بشاعة »[6]
، لا يمكن أن تكون هي «الغابة » التي « تخفي » أو « تقتل » الأمل عند الشعب الليبي
، فيوم « قلب المعادلة » لا نراه بعيدا حتى و لو كان البعض ، يرى أن « الفوضى »
السائدة اليوم في ليبيا ، قد « أضعفت » الجميع في الداخل[7]
، و زادت من قوة المتربصين بالبلد من الخارج و الذي لا هدف لهم إلا الاستفادة من
ثرواته[8]
.
نعم لقد «عجز » الجميع في مواجهة ذلك المتربص بالبلد [9]
بسبب تلك « الانقسامات » التي تشهدها الجبهة الداخلية[10]
، لكننا نقول[11] أن هذا
مسار كل ثورات التغير السلمي ، و الإصلاح الشامل التي شهدها العالم [12]
، منذ بداية هذا القرن ، فمتى كانت ثورة بحجم ما تعرفه ليبيا اليوم، دون أن «
تتعرض » لمثل هذه « المطبات » ؟ .
حقا أن لكل جواد كبوة ، و لكن « شعب » زمن[13]
تضيع منه فيه خارطة الطريق ، و يكون يومئذ في وضع « هش » و مجبر على دفع « ثمن »
ذلك من دم أبنائه ، لكنه في نفس الوقت يعرف أنه هو من سينهي ذلك « العجز »[14]
بالنظر لما يحمل ذلك من صدق « الرؤية » ، و عوامل أخرى معاصرة و مساعدة تجعل منه
في لحظة ما قادرا على « المواجهة » و تحقيق النصر .
[3] ـــ إننا هنا نؤمن بـأنه
يمكن أن ينشأ من شيء « سلبي » شيء « إيجابي » ، فما تعيشه ليبيا اليوم « 2020م »
سيسجله التاريخ على أنه أحد « مأساة » هذا القرن ، و أن منظمة الأمم المتحدة ، و
مؤسساتها الفاعلة في مجال حفظ السلم و الأمن « عجزت » عن حماية الشعب الليبي ، رغم
ما كان قد بذله مبعوثها من « جهد » لتحقيق ذلك .
و
جامعة الدول العربية أيضا لم تكن يوما في مستوى « تطلعات» الشعب الليبي، لأن
هياكلها خاصة منها « الأمانة العامة » و منصب الأمين العام بالتحديد ظل « يسيطر
عليه » و "يحتله" من يحمل جنسية بلد
المقر « مصر » فأغلب الأمناء العامون للجامعة منذ : 1945م و إلى اليوم « 2020م» يحملون الجنسية المصرية ، حتى أن الأمانة
العامة للجامعة تحولت مع مُرُورِ الوقت حسب رأي العديد من المتابعين إلى مكان « للراحة
و الاستجمام » لوزراء خارجية مصر عند إنهاء مهامهم ، أو انتهائها ، كوزراء
للخارجية ، فكل وزير مصري تم إبعاده من الدائرة الوزارية ، يبدأ « السعي » و من
ورائه دولته لأخذ منصب « أمين عام للجامعة » لاستكمال « دورة الحياة » فمتى تتوقف «
دولة المقر » عن هذا الفعل الذي « جمد »حتى لا أقول « قتل » نشاط الجامعة ؟ و متى «
تفتح » دولة المقر المجال للكفاءات العربية الأخرى من الدول الأعضاء لشغل منصب
الأمين العام للجامعة ؟ علما بأن هذا « الاحتكار » من دولة المقر ليس له ما يؤيده في
مواد الميثاق و الملاحق الأربعة المكملة له .
[4] ـــ راجع الأستاذ عبد
الحميد دغبار « جامعة الدول العربية و الأمن القومي العربي معالم التغيير ... و
آمال التغير » ، « الطبعة الأولى » ، الجزائر : دار هومة للطباعة و النشر و
التوزيع ، 2011 م .
[7] ـــ في هذا المعنى يقول
الكاتب الصحفي « قادة بن عمار » ما نصه: «... مؤلم جدا ما يقع للأشقاء الليبيين
عقب انتهاء زمن معمر القذافي، إذ وجدوا أنفسهم في مواجهة مصير بائس... تحكمه أكثر
من ... فصيل و ميليشيا واقع يبحث الجميع فيه عن الهيمنة بأي ثمن ، و لا أحد يبحث
عن صالح الشعب و لا صالح البلد » .
راجع
: قادة بن عمار « ما بعد تهديد حفتر » مقال منشور في جريدة، الشروق، اليومية
الجزائرية ،الصادرة بتاريخ : 02 محرم عام
: 1440 ه ، الموافق : 12 سبتمبر سنة 2018 م ، العدد : 5931.
نحن
لا نساير الكاتب في « بعض» ما ذهب إليه هنا مثل قوله : « ... مؤلم جدا ما يقع
للأشقاء الليبيين عقب انتهاء زمن معمر القذافي إذ وجدوا أنفسهم في مواجهة مصير بائس....
» لأن هذه الفقرة تعني بوضوح كامل أن ما يقع في ليبيا اليوم من « بؤس » و « رداءة»
يعود سببه لـ « انتهاء زمن معمر القذافي » فلو لم « ينته ذلك الزمن لما حصلت كل
هذه المأساة » ، إن هذا القول لا يسنده « واقع » و لا « حقيقة تاريخية » أو « سياسية » ،
فالقذافي حكم ليبيا مدة قاربت النصف قرن أكثر من أربعين « 40 سنة » دون أن يفكر في
إحداث أو إيجاد المؤسسات التي بواسطتها تضمن الحقوق ، و تصان الحريات ، و تحافظ
على « بقاء » الدولة مهما كانت « الأزمات » التي يمكن أن يتعرض لها البلد ، و هذا
يعني أن « القذافي » كان هو الحاكم بأمره ، و كان يعتقد أنه باستطاعته « الاستغناء»
عن تلك المؤسسات ، فهو « عبقري » زمانه ، و دليله في ذلك « الكتاب الأخضر » ، الذي
كاد أن ينزله منزلة القرآن الكريم، و بموته « سقطت » كل أوراق الشجرة دفعة واحدة
فوقع « الفراغ » و « الفوضى» و « الضياع » ، و المصير البائس .
و بالمختصر نقول : لقد كان لمعمر القذافي «سلطة
مطلقة » في ليبيا ، و بموته « ورث » من جاء بعده « مفسدة مطلقة » همهم الأول و
الأخير « الهيمنة بأي ثمن » دون « البحث عن مصالح الشعب و البلد » .
[8] ـــ تعيش ليبيا اليوم «
2020م »، وضعا « حرجا » حتى لا أقول « خطيرا » بسبب ذلك « الاقتتال » المستمر
لسنوات بين تلك الأطراف « المتنازعة » و « المتصارعة »، في الداخل ،بعضها تدعمها «
القاهرة و أبو ظبي » و أخرى تساندها قطر و تركيا ، و مما زاد من حدة « الاحتقان »
هو دخول أطراف أخرى « مؤثرة » مثل فرنسا و إيطاليا و حتى الولايات المتحدة
الأمريكية ، الأمر الذي ساعد و لا زال يساعد على استمرار دوامة « العنف ».
إن
ليبيا بلد « غني » بالنفط تلك المادة التي « كانت » و « لازالت » و « ستبقى» إلى
وقت غير قريب في المستقبل « تُسِيلُ
لعاب » الدول الكبرى في عالم اليوم ، و تعمل « ما بإمكانها فعله » من أجل جعل مكان
« وجوده » إما تحت سيطرتها مباشرة ، أو تحت سيطرة من يدين لها بالولاء في الدول «
الهشة » ، و الغير مستقرة « أمنيا » كليبيا اليوم التي تعيش في « فوضى أمنية »
أطرافها « كيانات » أو « أجسام سياسية » في الداخل « تحركها » و « تدعمها » أطراف من الخارج لها مصلحة في ذلك ، قد تكون ــ هذه
المصلحة ــ اقتصادية بحثة ، و قد تكون اقتصادية و سياسية ، و في كل الحالات مصلحة
الشعب الليبي ،و البلد ليس في الحسبان ، عند هؤلاء جميعا .
إنه « الاستقطاب » الذي « فرض » على الجميع
العمل بما يخالف « الولاء للوطن » .
مؤلم
جدا ما يقع للشعب الليبي جراء كل هذا إنه واقع رديء بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.
[9] ـــ من المؤسف أن يكون من
بين هؤلاء دولا عربية كجمهورية مصر العربية ، و دولة الإمارات العربية المتحدة ،
إنه الأمر الذي لم يكن « يفكر فيه » أو حتى « يتخيله » أي كان في الوطن العربي،
فضلا عن مخالفته الصريحة لميثاق جامعة الدول العربية الصادر عام : 1945م ، و تعارضه
« شكلا و مضمونا » مع مجموع القرارات الصادرة عنها ، خاصة منها تلك المتعلقة
بالعمل العربي المشترك ، و سنعود لتوضيح كل هذا في حلقات قادمة من هذه الدراسة .
[10] ــ التي « استمرت » و «
استقوت » بعوامل «خارجية » حيث « الدعم » المادي المباشر و غير المباشر ، و «
الرعاية » الخارجية عند الضرورة و عند الحاجة .
صدر في : جريدة جيجل الجديدة ، ليوم الاحد 11 محرم عام : 1442 هـ ، الموافق : 30 اوت سنة: 2020 م ، العدد : 526.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق