جامعة الدول العربية و القضايا الإقليمية المعاصرة ليبيا نموذجا الحلقة 1


جامعة الدول العربية و القضايا الإقليمية المعاصرة
ليبيا نموذجا
الحلقة الأولى
مقدمـة:
  إن الخيار السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي الذي تقبل به الشعوب         و« تعتمده » الأنظمة السياسية الحاكمة لها ، هو حق « مطلق » للطرفين[1] على ما نرى ،   و لذلك نعتقد أنه من الضروري أن يكون هذا الخيار محل « احترام» و« تقدير» و        « مجال » تسير على منواله كل الأنظمة السياسية الحاكمة في الوطن العربي[2] و« قاعدة » لا تحيد عنها في تعاملها و تعاونها[3] فيما بينها[4] ، لأن أصل هذا الخيار مستمد من الإرادة الشعبية المعبر عنها عن طريق الانتخاب[5] .  
   و حتى لا تتأثر العلاقات العربية ــ العربية « بالمتغيرات » التي جرت[6] و لا زالت تجري[7] في العديد من الدول العربية .
  و حتى تكون هذه العلاقات في إطارها « السليم » و « الصحيح » يستحسن و
« يستحب » أن تكون بعيدة عن النظر في طبيعة النظام القائم.
  و بعبارة أخرى نقول أنه « لا يحق » لأي نظام سياسي عربي أن يكون « وصيا» على شعب بلد عربي آخر، أو « يتصرف» بما يؤدي إلى فرض نظام سياسي معين عليه، حتى و لو كان ذلك المسعى « نبيل» متمثل على سبيل المثال في قيام نظام ديمقراطي وفق ما هو متعارف عليه في أرقى الديمقراطيات المعاصرة [8].
  إن الشعوب هي المسؤولة أولا و أخيرا عن اختياراتها ، و قبولها للنظام السياسي الذي تخضع له و الدول تستمد من هذا «الرضا الشعبي » شرعية وجودها و « مشروعية» حقها في المطالبة بعدم المساس بطبيعة نظامها أو بسيادتها مهما كانت المبررات ، و لعل هذا هو المعبر عنه في العديد من:
1 ـــ مواد ميثاق جامعة الدول العربية[9]، و بخاصة المادة الثانية «02 » منه و التي نصها : أن الغرض من الجامعة هو : « توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها و تنسيق خططها السياسية تحقيقا للتعاون بينها و صيانة استقلالها و سيادتها » .
2 ـــ القرارات و البيانات و الإعلانات الصادرة عن مجالسها المنعقدة على مستوى « القمة » أو على المستوى « الوزاري » أو على مستوى « المندوبين ».
 كما جاء في ديباجة الميثاق[10] بهذا الشأن ما نصه : « إن ممثلي الدول العربية وافقوا على عقد ميثاق الجامعة تثبيتا للعلاقات الوثيقة و الروابط العديدة بينها ، و حرصا على دعم هذه الروابط على أساس احترام استقلال هذه الدول و سيادتها ... » .
  و تأكيدا للحقائق التاريخية، و انصافا للرعيل الأول من القادة العرب في منتصف أربعينيات القرن الماضي نقول: أن موضوع حماية السيادة لم يغب عن فكر و عمل واضعي ميثاق الجامعة و المواثيق الأخرى المرتبطة به مثل:
أ / بروتوكول الإسكندرية و الذي جاء فيه بهذا الشأن أن من أهداف الجامعة الأساسية :   « صيانة استقلال و سيادة الدول الأعضاء ....» [11].
ب / الملاحق الأربعة « 04 » المرفقة بالميثاق[12].
و إذا كان هذا هو حال المواثيق بالنسبة لسيادة الدول الأعضاء في الجامعة فهل ليبيا و هي من الدول المؤسسة لها عام 1945 م ، تتمتع بالاستقرار و السيادة رغم ما عرفته و لا زالت تعرفه من أحداث بسبب تلك الخلافات القائمة بين المجموعات المتصارعة على الحكم بعد سقوط نظام معمر القذافي سنة 2011 م؟.
  إننا نعتقد ــ بداية ـــ أن هذا الخلاف قد تجاوز اليوم ( 2020 م) مرحلة « الجزئي » الذي كان عليه في البداية ليدخل مرحلة « الكلي» بعد ظهور « الأنياب» الخارجية[13] كما سنوضحه في الحلقات القادمة.




[1]  ــ من نظام رئاسي كما هو الحال في الجمهورية الجزائرية  إلى نظام ملكي «مطلق » كما هو الحال في  المملكة المغربية و المملكة العربية السعودية و المملكة الأردنية و مملكة البحرين إلى نظام        « أميري »  كما هو الحال في الكويت و قطر و نظام « سلطاني » كما هو الحال في سلطنة عمان و « جماهيري » كما هو الشأن بالنسبة لنظام الحكم في ليبيا قبل سقوط « صاحبه » معمر القذافي سنة 2011 .
[2]  ــ داخل إقليم الدولة ، و في حدود ما تسمح به القواعد العامة المكرسة في التشريع و التنظيم الجاري بهما العمل في كل دول العالم ، و التي غالبا ما نجدها مكرسة كذلك في الدساتير بالإضافة إلى المبادئ و القواعد و الأحكام الواردة في المواثيق الدولية التي تلتزم بها الدولة بعد انضمامها إليها .
[3]  ـــ الثنائي المتعدد الأطراف.
[4]  ــ تحقيقا لما يسمى في الأدبيات و المواثيق و القرارات و الإعانات و البيانات المتعلقة بجامعة الدول العربية أو الصادرة عن مجالسها المنعقدة على المستوى الوزاري أو على مستوى المندوبين .
[5]  ــ حتى و لو كانت هناك « استثناءات » في هذا الشأن ، كما هو الحال اليوم بالنسبة للأنظمة       « الملكية » و« الأميرية » و « السلطانية » التي يتم فيها التداول على « رأس » السلطة بين أفراد العائلة الحاكمة ، و لا « تفويض » شعبي فيها .
إنها الأنظمة التي أسميناها نحن هنا بـ : « الأنظمة المطلقة » و نعني بذاك أنها ليست أنظمة دستورية لأن المعروف في الأدبيات المتعلقة بهذا الشأن هو أن هناك نوعين من أنظمة الحكم « الملكي » .
 الأول و هو نظام الحكم «الملكي الدستوري » و الملك فيه « يملك و لا يحكم » كما هو الحال في بريطانيا ، أما الثاني فهو« نظام الحكم الملكي غير الدستوري » و الملك فيه يملك و يحكم كما هو الحال في الأنظمة الملكية في الوطن العربي « المغرب الأردن السعودية البحرين مثلا و الفرق شاسع هنا بين النظامين في كل المجالات من حيث قوة التأثير خاصة بالنسبة للديمقراطية بالمفهوم الواسع الذي هو عند الغير ، بل و حتى من حيث مجال الحريات و الحقوق ، فالمرأة مثلا لم يسمح لها بقيادة السيارة في المملكة العربية السعودية إلا في الأعوام الأخيرة ، إنه النظام الملكي المطلق .
[6]  ــ كما هو الحال في تونس بعد نجاح ثورة التغيير السلمي و الإصلاح الشامل في هذا البلد ، و التي  « أعطت » أو « أوجدت » نظاما سياسيا مختلفا عن الأنظمة القائمة في العديد من الدول العربية التي لم تعرف ذلك « الحراك الشعبي » كحال الأنظمة « الملكية و الأميرية و السلطانية » هذا إذا استثنينا   « المملكة المغربية » في دول المغرب العربي ، بل نراها « تختلف » حتى في تلك الدول التي عرفت حراكا شعبيا قويا تم بموجبه إبعاد رأس النظام كجمهورية مصر العربية .
[7]  ــ كما هو الشأن في كل من سوريا و اليمن و ليبيا.
[8]  ــ و هذا بغض النظر عن تلك « الأحكام » الواردة في نصوص الشرعية الدولية، و قواعد و مبادئ القانون الدولي ذات الصلة.
[9]  ــ    تعتبر جامعة الدول العربية أحد أهم و أقدم المنظمات الدولية الإقليمية القائمة اليوم « 2020» بالنظر لتاريخ التأسيس الذي هو : 22 مارس سنة 1945 م .
[10]  ــ الصادر بتاريخ : 08 ربيع الثاني عام 1364 هـ ، و الموافق : 22 مارس سنة 1945 م
[11]  ــ   راجع : الأستاذ عبد الحميد دغبار جامعة الدول العربية و الأمن القومي العربي ، معالم التغيير و آمال التغير ، الجزائر : دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع 2011 م ، (الطبعة الأولى) ص 179 و ما بعدها .
[12]  ـ و هي الملحق الخاص بفلسطين و الملحق الخاص بالتعاون مع البلاد العربية غير المشتركة في مجلس الجامعة و الملحق الخاص بتعيين الأمين العام للجامعة إلا أنه و بصدور الملحق الخاص بالانعقاد الدوري لمجلس الجامعة على مستوى القمة أصبح للجامعة أربعة «04 » ملاحق.
[13]  ــ كمصر و الإمارات العربية المتحدة و تركيا و فرنسا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم على موقع الاستاذ عبد الحميد دغبار
اذا اعجبك الموضوع لا تنس مشاركته