جامعة الدول العربية و القضايا الإقليمية المعاصرة ليبيا نموذجا الحلقة 2
جامعة الدول العربية و
القضايا الإقليمية المعاصرة
ليبيا نموذجا
الأستاذ عبد الحميد دغبار
الحلقة
02 : اغتيال مرحلة .
مبدئيا يمكن القول أن « المتاعب» بل
« المآسي» التي
يعاني منها الشعب الليبي منذ قرابة العشر «10 » سنوات [1] لا يمكن
أن يخفي بشاعة الجرائم التي ارتكبها نظام الحكم السابق للبلاد.
لقد
« اغتال» نظام
معمر القذافي في مرحلة زمنية طويلة [2] من حياة
الشعب الليبي مرحلة ساد فيها « اللامنطق» و « اللامعقول» مرحلة غابت فيها كليا مؤسسات الدولة التي بوجودها
يكون نظام الحكم في مأمن من أي انزلاق نحو المجهول .
مرحلة اعتقد فيها النظام أنه « قضى» على
« الوعي» الفردي
و الجماعي ، و لا يمكن ـ حسب اعتقاده
دائما ـ أن يأتي اليوم الذي يستعيد فيه الشعب الليبي « وعيه »
أو يجدده .
مرحلة لا
حديث فيها إلا عن « الكتاب الأخضر» و « ثورة
الفاتح»
، مرحلة كان النظام فيها بلا
ضوابط ، مرحلة لا حسيب فيها و لا رقيب إلا من قبل «رب العالمين» ، مرحلة عرفت فيها البلاد مداخيل من العملة الصعبة
بما لا يخطر على بال [3] ، أهدرت
كلها يمينا ويسارا وصلت إلى حد تمويل الحملات الانتخابية في أوروبا ، وفرنسا
بالتحديد.
مرحلة كان فيها ما يسمى يومئذ « بالزعيم معمر القدافي » ، في تنقلاته وزياراته الرسمية وغير الرسمية
مصحوبا « بجيش»
من الخدم[4] مع خيمة
كبيرة تخصص كمكان لإقامته خلال مدة الزيارة
، وكثيرا « ما أتعب » أعوان البروتوكول في الدولة التي يزوروها.
مـرحلة « دفن» فيها «الزعيم
» معمر القذافي «طموح الشباب » و « تطلعات
» كهول بلده إن من وُلِـدَ يوم وصل القذافي إلى
الحكم إثر انقلاب عسكري في شهر سبتمبر عام 1969، صار كهلا دون أن يعرف من قادة
بلده إلا «
الزعيم» و صورته.
مرحلة «قضى» فيها «الزعيم
» على مخزون القوة عند الشعب الليبي ، و عند كل
الشعوب في هذه المعمورة و المتمثل في شبابها بكل فئاته و مستوياته لأنه كان يدرك و
هو الذي وصل إلى الحكم و عمره «28» سنة
أن فئة الشباب هي التي ستنهي ذلك العجز الذي يعيشه الشعب الليبي في مواجهة بشاعة
حكمه بكل ما لهذه الكلمة من معاني و أبعاد و ألوان و أشكال .
مرحلة
أخرى اختصر فيها الحاضر و المستقبل الليبي في « الكتاب الأخضر» و إسم « الزعيم» و
ما عدا ذلك يعد دربا من الخيال، إذ لا يحق لأبناء ليبيا في عهد « الزعيم» حتى
« الحلم» بأية
صورة أخرى لحاكم آخر لبلدهم ، فإن حدث و « حلم» فإن
ذلك يعد من «الكبائر»
و اعتبر «
خائنا » لبلده و ثورتها «ثورة الفاتح من سبتمبر» كما كانت تسمى .
مرحلة بطول أربعين« 40» سنة عرف فيها العالم تغيرات كثيرة و كبيرة
اقتصاديا و سياسيا و اجتماعيا و
ثقافيا و علميا حتى ، لكن ليبيا «حُجِبَ»
عنها ذلك المخاض الحضاري نتيجة « قبضة
الزعيم»
و بموته اكتشف الليبيون حجم « الغبن» الذي
عاشوه و «البؤس»
الذي عانوا منه طيلة فترة حكمه التي تعد
في «عمر»
الشعوب طويلة جدا .
مرحلة
شهدت فيها ليبيا « جنون العظمة» عند « الزعيم» كما كان يشتهي أن يلقب و بموته لم يجد الأحرار من أبناء الشعب الليبي المؤسسات
الضامنة لاستمرار الدولة كمؤسسة « الجيش» التي تعد في كل دول العالم بلا استثناء المؤسسة
الوحيدة القادرة على ضمان بقاء الدولة قائمة في كل الظروف [5] .
لقد كان
الليبيون في عهد « معمر القذافي» غير قادرين حتى على « التنفس» بشكل
جيد لشيء ما في صدورهم ، لذلك كان الطبيعي أن تأتي « الثورة» لإزالة
ذلك العارض الصحي و السماح للجسم أن يتنفس بشكل عادي .
من هنا يمكن القول أن «الثورة » في
ليبيا هي «
تصحيح» للمسار التاريخي الليبي الحافل بالأحداث و المراحل
الهامة.
إنها
بالمجمل مرحلة «
ضياع » و حصر كل « متاهات» نظام
معمر القذافي خلال أربعين «40
» سنة من حكمه لليبيا ، الدولة الجار للجزائر ليس
بالأمر السهل ،ثم إن الإطالة في تعدادها قد يبعدنا عن « المراد» من
إعداد هذه الدراسة و عليه نقول أن :
ليبيا ما
قبل الثورة ليست هي ما بعدها[6] و أن
أهداف الشعب الليبي بعد الثورة هي أهداف لم يكن يستطيع حتى « الحلم »
بها قبلها، فماذا وقع حتى طال زمن التغيير و الإصلاح في هذا البلد ؟ ذلك ما سنعرفه
في الحلقة الثالثة.
[1] ــ أي منذ بداية ثورة التغيير و الإصلاح في
ليبيا و التي انطلقت مع نهاية 2011 م و لا
زالت مستمرة إلى اليوم «2020 » م.
إن ليبيا تعتبر تعتبر
المنتج الأول للنفط على مستوى القارة
الإفريقية ، كما تحتل المرتبة الثانية عالميا من حيث مخزونه .
[4] -بدلا من رجال المال
و الأعمال ، كما يفعل قادة وزعماء الدول عادة ، فالزيارات الرسمية لرؤساء الدول
ليست للسياحة ،وإنما للبحث عن سبل التعاون
المتعدد الأوجه ،لكن الزعيم معمر القدافي
كان لا يرى ضرورة لذلك ،مادام قد " قضى" ، على وعي الشعب ، كما كان
يعتقد ،وأحسن مثال يمكن أن يقدم هنا للمقارنة هو ما فعله الرئيس التركي " رجب
طيب اردوغان" ، عندما زار الجزائر في الأسبوع الأخير من شهر جانفي سنة 2020
م ، حيث كان مرفوقا بـ :( 150 )رجل
أعمال ، و(50) صحافيا .
راجع : جريدة
الشروق ، اليومية الجزائرية ، الصادرة بتاريخ : أول جمادى الثانية عام :
1441 هـ ، الموافق : 26 جانفي سنة : 2020 م.
[5] ــ الحقيقة أن هذه «الصفات» كثيرا ما نجد «العديد » منها عند «أكثرية» الحكام العرب الذين حكموا بلادهم في نفس
الفترة التي حكم فيها «معمر القذافي » ليبيا ، لقد كانت «الغاية» المشتركة عندهم هي: « الحكم » و لا شيء بعده أو قبله ، و هذا على عكس القاعدة التي تقول : ليس مهما
أن تكون حاكما و لكن المهم أن تكون خادما للشعب .
و بالمجمل نقول في هذا الباب : أن
أغلب الشعوب العربية بقيادة نخبها الثورية ـ تعمل و تتقدم ـ في المسار الثوري الهادف إلى التغيير
« السلمي» نحو الأفضل على كافة المستويات ، في حين نجد أنظمتها السياسية الحاكمة لا
تعمل ، و إذا عملت لا تتقدم فهي لا « ترضى » إلا بما يحقق استمرار نظام حكمها ، مهما
كلف ذلك من ثمن ، و نظام الحكم في الجزائر قبل الحراك الشعبي « المبارك» الذي انطلق
مع بداية عام 2019 و تحديدا فترة حكم الرئيس السابق « عبد العزيز بوتفليقة» و كذا نظام
« معمر القذافي» في ليبيا قبل سقوطه ، و نظام « بشار الأسد » في سوريا الذي لازال مستمرا
إلى اليوم «2020 » هم جميعا من هذه الفئة من أنظمة الحكم و غيرهم كثير في الوطن العربي
.
[6] ـ إذا كانت تجارب كل شعوب العالم عبر الأزمنة و العصور تقول أنه
: لا شيء دائم فمن الطبيعي ألا تبقى تلك الشعوب « هادئة » و « صامتة » في غياب « العدالة و الحقوق » و « الإنصاف » من هذا الباب جاءت «انتفاضة » أو « ثورة » شعوب العديد من الدول العربية و منها
الشعب الليبي عام 2011م.
صدر في : جريدة جيجل الجديدة ، ليوم الاحد 27 ذو القعدة عام : 1441 هـ ، الموافق : 19 جويلية سنة: 2020 م ، العدد : 491.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق