جامعة الدول العربية و القضايا الإقليمية المعاصرة ـــ ليبيا نموذجـا ــ الحلقة 04.
جامعة
الدول العربية و القضايا الإقليمية المعاصرة
ـــ ليبيا
نموذجـا ــ
الحلقة 04 : الأنياب الخارجية خطر على السيادة .
![]() |
الاستاذ عبد الحميد دغبار |
إن الأوضاع غير
المستقرة «أمنيا» و « سياسيا» في ليبيا[1]
لا بد و أن يكون لها «صدى»[2]
على المستوى الداخلي وفي دول الجوار[3]
بل و في كل الدول العربية الأعضاء في المنظمة الدولية الإقليمية العربية[4]
فهي جميعها « أي الدول العربية» ليست على رأي واحد بالنسبة لما تعيشه ليبيا من «تغيرات»
و «تحولات»[5]
فرأي كل من الإمارات العربية المتحدة ، و جمهورية مصر العربية ، و المملكة العربية
السعودية ليس هو رأي دول الجوار في بلدان المغرب العربي كالجزائر و
تونس[6] و عليه فإننا سندرس و نحلل في هذه الحلقة ، مواقف
دول الجوار و ستكون الجزائر و مصر نموذجا مع مقارنة موقفيهما[7]
بمبادئ و مواثيق جامعة الدول العربية و قراراتها ذات الصلة ، و كذا مدى تماشيها[8]
مع قواعد الشرعية الدولية و أحكام القانون الدولي العام .
أولا موقف
الجزائر :
عُرِفت الجزائر
منذ استقلالها عام 1962 م[9]
بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية[10]
بشكل عام ، بل كان هذا المبدأ أحد الأسس التي قامت عليها سياسة الجزائر الخارجية منذ فجر الاستقلال و إلى اليوم : «2020 م»[11]
، و هي بهذا المبدأ الثابت كسبت رضا
الشعوب والدول التي عرفت « إشكالات داخلية»[12]
كما « بنت» بهذا الموقف الثابت أيضا« جدارا»
وطنيا صلبا و إجماعا وطنيا[13].
و لنا في الموقف «الرسمي» للدولة الجزائرية و الموقف الشعبي من لائحة « البرلمان
الأوروبي»[14] الصادرة
بتاريخ 28 نوفمبر عام 2019 م خير مثال .
والذي تجلى بكل وضوح في :
1 ــــ بيان «غاضب» صادر عن وزارة الخارجية[15]
و نصه « .... بإيعاز من مجموعة من النواب متعددي المشارب ، و فاقدي الانسجام ، منح
البرلمان الأوروبي نفسه بكل ... وقاحة ، حرية الحكم على المسار السياسي الراهن في
بلادنا[16]
... هؤلاء النواب قد ذهبوا إلى حد منح أنفسهم دون عفة و لا حياء ، الحق في مطالبة
البرلمان الجزائري بتغيير القوانين التي اعتمدها نوابه بكل سيادة ... و باستجابته
هذه لإيعاز هؤلاء البرلمانيين المحرضين، أنه يعمل بشكل مفضوح للترويج لأجندة
الفوضى المقصودة التي سبق للأسف تنفيذها في العديد من الدول الشقيقة .... » و
استدلت الوزارة في بيانها الغاضب هذا بما قام به أحد البرلمانيين الأوروبيين من « ...
إشادة بالاستعمار الذي سمح حسبه بحرية ممارسة الشعائر الدينية خلال 132 سنة من
الاستعمار للجزائر ... ». و أن الجزائر « ... تدين و ترفض شكلا و مضمونا هذا
التدخل السافر في شؤونها الداخلية ، و تحتفظ لنفسها بالحق في مباشرة تقييم شامل و
دقيق لعلاقاتها مع كافة المؤسسات الأوروبية قياسا بما توليه هذه المؤسسات فعليا
لقيم حسن الجوار و الحوار الصريح و التعاون القائمين على الاحترام المتبادل ... » [17]
.... يتبـع ....
[2] ــ خصوصا بعد تحول «الحراك
الشعبي » من « حراك سلمي» إلى « حراك عسكري» ،قاتل للحاضر و مدمر للمستقبل و مُبعد
لكل «أمل» في حياة أفضل للشعب الليبي .
[3] ــ و الحقيقة ليست دول
الجوار العربية فحسب ، بل يمكن أن « تمتد » تأثيراتها إلى المستوى « القاري» و لما
لا المستوى الدولي إن هي وصلت إلى حد معين ، فأين هي أنياب جامعة الدول العربية و
هي ترى « بعض» أعضائها و هم « يتقاتلون » على الأرض الليبية بلا مبرر ؟ فإذا كانت
«مصر » ترى فيما يجري في ليبيا من « اقتتال داخلي » يمكن أن يهدد «أمنها» فإن «
الأصح» و « الصواب» و « الأفضل» هو الوقوف على «الحياد»، اتجاه الأطراف «
المتصارعة» و ليس «تأييد » و « دعم» طرف ضد طرف آخر ، لأن ذلك يؤجج الصراع و لا
ينهيه ، و لن يكون في صالح أمن الطرفين « مصر و ليبيا » .
أما بالنسبة للإمارات العربية المتحدة التي
تدعم بشكل «صريح » و « مباشر» طرف ضد طرف آخر فإننا لم نجد له أي مبرر و الخلاصة
أن جامعة الدول العربية باتت هنا و كأنها ليست مشروع الأنياب .
[6] ـــ و هذا ما نعتبره نحن
هنا بغير الطبيعي لأنه يخالف « صراحة » أهداف و مبادئ جامعة الدول العربية و
الغايات المنتظرة منها ، بل نراها «متعارضة » في أحيان كثيرة مع العديد من الأحكام
التي تضمنها ميثاق تأسيسها كمنظم دولي إقليمي عربي عام الاختصاص عام : 1945 م، و كذا غالبية القرارات الصادرة عنها ذات الصلة .
[11] ـــــ إذ لم تسجل للجزائر
منذ عام 1962 م و إلى اليوم « 2020 م»
موقفا غير هذا الموقف في كل الظروف و مهما كان شكل و طبيعة نظام الحكم في تلك
الدولة .
[12] ـــ
كالحراك الشعبي السلمي المطالب بالإصلاح و التغيير و التحول الديمقراطي مثلما حدث
في تونس عام :2011م، و في سوريا التي تحول فيها الحراك الشعبي السلمي مع الأسف إلى
حراك عسكري قضى على الأخضر و اليابس في ذلك البلد ، أو ما عرفته ليبيا من أحداث و
ما تبع ذلك من تطورات .
أ-
أن هذه اللائحة
ليست ملزمة .
ب-
احتوت على (14)
بندا .
ت-
تم التصويت
عليها بالإجماع من خلال رفع الأيدي .
ث-
تضمنت « تنديد »
البرلمان الأوروبي بتعامل السلطات الجزائرية مع ملف «الحقوق و الحريات » كما « دعت
» الجزائر بالطبع إلى تعزيز « استقلالية القضاء » ، و إدانة موضوع «الاعتقالات
التعسفية و غير القانونية و الاحتجاز و التخويف و
الاعتداء على الصحفيين و المحامين و الطلاب و المدافعين عن حقوق الإنسان و المجتمع
المدني و جميع المتظاهرين السلميين المشاركين في مظاهرات حراك السلمية ...» و «الإفراج
فورا دون قيد أو شرط عن جميع المتهمين الذين مارسوا حقوقهم في حرية التعبير ... و
وضع حد لأي شكل من أشكال الترهيب ... و الانتهاكات الخاصة بحرية العبادة بالنسبة
للمسيحيين و الأحمديين و الأقليات الدينية الأخرى ... ».
كما أعرب البرلمان
الأوروبي وفق ما جاء في هذه اللائحة عن « قلقله » إزاء « ... العقبات الإدارية
التي تواجهها الأقليات الدينية في الجزائر ... »، داعيا الدولة الجزائرية إلى :
أ
ـــ « ضمان الممارسة الكاملة لحرية الفكر و الوجدان و الدين أو المعتقد للجميع و
التي يكفلها الدستور الجزائري و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية
... » .
ب
ـــ « مراجعة القانون رقم : 12 ـــ 06 لعام : 2012 م ، و المتعلق بالجمعيات و
الدخول في حوار حقيقي مع منظمات المجتمعات المدني ... »، و الأزمة يكون حلها « على
أساس عملية سياسية سلمية و شاملة ... »، مشيرا إلى أنه « ... مقتنع بأن الإصلاحات
الديمقراطية و الحوار البناء و الشامل الذي يضمن الاستقرار السياسي و الاقتصادي و
الاجتماعي في الجزائر يمكن أن يكون بمثابة وسيلة لإعادة إطلاق اتحاد المغرب العربي
... ».
راجع:
النص الكامل لهذه اللائحة في جريدة الخبر ،الصادرة بتاريخ : 03 ربيع الثاني عام
1441:هـ ،الموافق : 30 نوفمبر سنة 2019م ، العدد : 9403 .
و لعل أحسن رد
على ما جاء في هذه اللائحة ــ حسب رأيناـــ هو ما قاله الكاتب الصحفي « حسين لقرع»
في مقال له تحت عنوان « وصاية أوروبية على الجزائريين » و الذي جاء فيه ما نصه :«
ثمة ملاحظات عديدة على لائحة البرلمان الأوروبي ... و التي تقف وراءها فرنسا بوضوح
.
أولا : دعا
البرلمان الأوروبي السلطة الجزائرية إلى « إجراء تحقيق مستقل في جميع حالات
الاستخدام المفرط للقوة من قبل أفراد قوات الأمن و محاسبة الجناة .... » و هذا
الحكم مثير للاستغراب فعلا و غير صحيح بالمرة .
إذا كان هناك «استخدام
مفرط للقوة» ضد المتظاهرين فقد حدث في فرنسا ضد «السترات الصفراء »، إذ قتلت قوات
الأمن «13 » منهم و جرحت الآلاف.... في حين يسير المتظاهرون منذ أشهر في شوارع المدن
الجزائرية الكبرى بسلمية
تامة أبهرت العالم، و لم تطلق عليهم رصاصة حية واحدة ،و لم يقتل متظاهرا واحدا، و
لم تسل قطرة دم واحدة ، فعن أي « استخدام مفرط للقوة » يتحدث البرلمان الأوروبي
إذن ؟!
ثانيا : تطرق البرلمان الأوروبي إلى « التضييق على
الأقليات الدينية » و «الانتهاكات ضد حرية المعتقد» بالجزائر في إشارة إلى إغلاق
مجموعة مما يسمى «كنائس» بمنطقة القبائل ، و ذهب أحد البرلمانيين إلى حد الإشادة
بالاستعمار الفرنسي بزعم أنه كفل الحريات الدينية في الجزائر ، خلافا للنظام الذي
يغلق «الكنائس»، و مثل هذا الاتهام الخطير ينبع من مشكاة واحدة مع قانون تمجيد
الاستعمار الصادر في : 23 فبراير سنة 2005م ، و هو مردود على صاحبه الذي يبدو أنه
يحن إلى «الفردوس المفقود».
فالاستعمار
الفرنسي حارب الإسلام بالجزائر ،و حول مئات المساجد إلى كنائس طيلة قرن و ثلث
القرن ... و سعى بلا هوادة إلى تنصير الجزائريين ... فهل يعد ذلك « كفالة للحريات الدينية للجزائريين » ؟ .
أما فيما يتعلق بغلق « الكنائس » المزعومة فالجميع يعرف
أنها مستودعات و بيوت فتحت بلا رخص ، و قد طالبت السلطات مسيحيي منطقة القبائل باستخراج رخص لبناء كنائس
في أماكن معلومة و هذا الأمر ينطبق على كل الجزائريين بلا تمييز ، إذ لا يستطيع
سكان أي بلدية أو قرية بالوطن جمع التبرعات و الشروع في بناء أي مسجد قبل الحصول
على رخصة رسمية ... السلطات لم تنتهك « الحرية الدينية لأحد و لم تجبر أحدا على
العودة إلى الإسلام ، و في أوروبا نفسها لا يمكن للمسلمين فتح مصليات سرية في
مستودعات أو بيوت و هم مطالبون باستخراج رخص لبناء المساجد فلماذا تكيل بمكيالين
في هذه المسألة إذن ؟ ! .
ثالثا : أبدى البرلمان الأوروبي رفضا ضمنيا لرئاسيات 12
ديسمبر سنة : 2019م ، و دعا السلطات
الجزائرية إلى «حـل » على أساس عملية سياسية سلمية و منفتحة مبنية على أساس
الديمقراطية و الحوار ، و هذا الأمر يبث فيه الشعب الجزائري وحده .... وقد رفع
الحراك في جمعته الـ 41 لافتات عديدة تندد بالتدخل الأوروبي بعد أن شعر بالحرج منه
، و بأنه يسيئ إليه أكثر مما يخدمه ، و أكد أنه « لا وصاية داخلية أو خارجية على
خيار الشعب ».
راجع : «حسين لقرع» وصاية أوروبية على الجزائريين ، مقال
منشور بجريدة الشروق ، اليومية الجزائرية ، الصادرة بتاريخ : 04 ربيع الثاني عام :
1441 ه ، الموافق : أول ديسمبر سنة 2019م
، العدد : 6346 .
[16] ـــ
يقصد هنا « الحراك الشعبي السلمي » الذي
انطلق يوم الجمعة : 22 فيفري سنة: 2019 م و الذي أجبر الرئيس السابق « عبد العزيز
بوتفليقة » على تقديم «استقالته» التي تسلمها رئيس المجلس الدستوري، حسب مقتضيات
النظم و التشريعات السارية المفعول في الجزائر .
إن هذه «
الاستقالة » تعني أن الرئيس «تخلى» بشكل صريح و نهائي عن الترشح لعهدة خامسة ، كان
قد ترشح لها و هو «يعاني» من مرض خطير لا يستطيع معه التحدث بصفة عادية أو «الوقوف»
على قدميه الأمر الذي جعله يظهر في المناسبات الرسمية و هو جالس على «كرسي متحرك»
.
[17]
ــــ راجع : جريدة النصر ، اليومية الجزائرية
الصادرة بتاريخ: 01 ربيع الثاني عام :
1441ه ، الموافق : 30 نوفمبر سنة : 2019م
، العدد : 16079 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق