جـامعـة الدول العربية و القضايا المعاصرة ــ ليـبـيـا نـمـوذجـا ــ الـحـلـقـة 03


جـامعـة الدول العربية و القضايا المعاصرة
ــ ليـبـيـا نـمـوذجـا ــ

الأستاذ عبد الحميد دغبار
الـحـلـقـة 03 :  زمن سقوط الأقنعة .
  لقد عاشت ليبيا قرابة أربعين سنة « تسبح » في الفضائح من جميع الأوزان و الألوان    و الأشكال و التي قدمنا البعض منها [1] في الحلقة السابقة من هذه الدراسة ، لذلك نقول : أن الخروج من آثار و تداعيات تلك المرحلة الطويلة ليس بالأمر السهل بالنظر «للفراغ » المؤسساتي [2] الذي أحدثه و عمل على استمراره الحاكم بأمره في ليبيا « الزعيم » معمر القذافي .
  و فجأة ظهر ما لم يكن في الحسبان إنها «الثورة»[3] التي أسقطت العديد من الأنظمة الفاسدة بدءا « بـزين العابدين بن علي » الرئيس التونسي [4] مرورا بالرئيس المصري      « حسني مبارك » و « الزعيم » الليبي «معمر القذاقي » و القائمة كادت أن تطول لولا حدوث « موجة » أخرى من « رد الفعل »حرمت بموجبها بعض الشعوب العربية من التمتع « بنسيم »الحرية  بعد طول انتظار .
   إن ضعف مؤسسات الدولة ، أو عدم وجودها بالكامل هو بالضرورة «فساد سياسي »[5]   و لنا فيما تعرفه ليبيا اليوم « 2020 م» ، خير مثال ، فبعد سقوط رأس النظام عام 2011 م ، سادت «الفوضى» و « عم » الخوف من المستقبل .[6]
   نقول عم الخوف من المستقبل لأننا نعرف و الشعب الليبي يدرك أيضا أنه لا يمكن أن تبني دولة تتمتع بكل مقومات « البقاء » و «الدوام» و يسودها « السلام » و « الأمن »   و « الاستقرار» و السلاح متداول بين الأفراد و الجماعات ، أو ما يسمى إعلاميا «بالميليشيات » التي في الغالب لا تخضع « لسلطة » الدولة ، و لنا كمثال في لبنان «حزب الله» و في العراق « الحشد الشعبي» و في اليمن « الحوثيون» و ها هي حالة رابعة[7] تظهر في ليبيا ، حيث يسود الاقتتال اليوم « 2020 م»، بين العديد من الأطراف المسلحة غير الخاضعة لسلطة الدولة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ، بل وصل بعضهم إلى حالة محاربة هذه الدولة ذاتها ، و لنا هنا فيما يسمى «بالجيش الليبي» بقيادة خليفة حفتر خير مثال .
  هكذا إذن أدرك الشعب الليبي بكل طبقاته [8] أن صراع هذه الجماعات على أرضه هو :
أ / إضعاف لقوته المستمدة من وحدته .
ب / تغيير نحو «الأسوأ» بالنسبة لمسار ثورته .
ج / الغياب التام للمفاهيم المعبرة عن الإرادة العامة أو « الإرادة الوطنية» .
د / القضاء على كل ما تحقق طيلة عقود الاستقلال مهما قل أو كثر[9] .
  و بعبارة أخرى نقول هنا أن الشعب الليبي هو « المتضرر» الأكبر من كل هذا ، فهو الذي « فقد» أمنه و استقراره و « نعمة » الأمن لا تقدر بثمن [10] ،  و نحن في الجزائر نعرف هذا جيدا ، بالنظر لما عرفته بلادنا في تسعينيات القرن الماضي من «أحداث» بل «مأساة» دامت قرابة العشر «10» سنوات، فمع فقدان الأمن لا مكان للحديث عن الحقوق  و الحريات و لا حديث عن «النمو» بكل أشكاله و ألوانه .
  إن الدولة في عالم اليوم تقوم على مؤسسات «وطنية صلبة»[11] تضمن لها «البقاء»[12]       و «الاستمرار» في كل الظروف ، فإن «انعدمت» أو وجدت و هي في حالة « ضعف» فإن مستقبلها هو في حكم الغيب إن لم نقل في حكم « الضياع» بل قد يصل الأمر إلى حد فقدان عامل «السيادة الكاملة »[13] .
                                            .... يتــبـــع ....



[1]  ــ أقوال « البعض » لأن عرضها جميعا في هذه الدراسة ليس بالأمر السهل ، و نحن ننتظر من المؤرخين المختصين القيام بالجرد العام لتلك «الفضائح » و توضيح أساب و عوامل وجودها و استمرارها و كذا الشروط و الكيفيات التي كان « يجب » اعتمادها « للتخلص » منها بأقل الخسائر و لتكون أيضا «عبرة» للأجيال القادمة بحيث يتكرر نفس «الخطأ» معها .
[2]  ــ الذي عاشته ليبيا طيلة حكم « الزعيم » معمر القذافي  ، حيث لم يجد الشعب الليبي بعد الإطاحة بنظامه أية مؤسسة مؤهلة « لسد » الفراغ في « أعلى » هرم السلطة ، الأمر الذي «أربك » قادة الحراك الشعبي ، و من ورائهم الشعب الليبي كله ، و بما أن الطبيعة تأبى الفراغ فقد ظهر وسط ذلك « الحطام » وجوه عدة ليس لها ماض نضالي ، و لا خبرة في الحكم ، و لولا قدرة الله و قدره « لضاعت » ليبيا بين « الطوائف »الجديدة الساعية « للخلافة » دون منهج واضح لطريقة الحكم و كيفية الوصول إليه .
 و بالنظر لكون طموحات الأفراد، و غايتهم متعارضة في كثير من الأحيان في المسائل العادية، فكيف الحال إذا كان الأمر متعلقا بالوصول لسدة الحكم في بلد « غني » كليبيا.
إنه «التشتت» من جديد و « المأساة» الثانية بالنظر لطول مدة صراع هذه « الأجنحة » دون أن تبادر بالسعي لإيجاد «القاسم المشترك » بينها و إنهاء خلافاتها  و  صراعاتها .
[3]  ـ كانت تونس في بلاد المغرب العربي البلد العربي الأول الذي عرف هذه الثورة  وأطلق عليها اسم   « ثورة الياسمين» إنها «الثورة السلمية » التي أعطت رسالة للعالم مفادها أن الديمقراطية ممكنة في الوطن العربي .
[4]  ــ زين العابدين بن علي مثلا كان يوم سقوطه و معه نظامه في تونس قد عمر في الحكم أكثر من ثلاثين «30 » سنة و نفس المدة تقريبا بالنسبة للرئيس المصري « حسني مبارك » أما كبيرهم          « الزعيم» معمر القذافي فظل في الحكم قرابة أربعين « 40 » سنة .
 [5] ــ و الذي يسود في الدول الفاشلة .
[6]  ــ إن «الفوضى» و عدم «الاستقرار » لا يعيشان إلا حيث يكون « ضعف »مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية و الأمنية .
[7]  ـ بعد كل من الحالة اللبنانية و الحالة العراقية و الحالة اليمنية .
[8]  ــ إن الثورة في ليبيا   ، و في غيرها من الدول العربية التي عرفت « الانتفاضات الشعبية» بداية من عام 2011 م ، لم تكن يوما انتفاضة «المهمشين» بل هي ــ في رأينا ــ انتفاضة كل « الطبقات ».
[9]  ــ هو في الواقع « قليل» بالنظر لطول المدة الزمنية التي حكم نظام معمر القذافي ليبيا ، و التي هي في حدود أربعين « 40» سنة و بالنظر « لمعيار الغنى » الذي كانت عليه ليبيا في تلك الفترة .

[10]  ــ في كل مكان و في كل زمان و عند كل شعوب المعمورة .
[11]  ــ و التي من بينها بل و أهمها : المؤسسة التشريعية « البرلمان بغرفتيه في الحالة الجزائرية مثلا »   و السلطتين « التنفيذية و القضائية » و المؤسسة العسكرية و الأمنية .
[12]  ـ كما تضمن أيضا مستقبل الوطن .
[13]  ــ أقول « السيادة الكاملة » بمعنى السيادة بكل «قواعدها » و « تفاصيلها » و « معانيها»            و   « ضروراتها » و سنعود لشرح كل هذه المعاني بالتفصيل الحلقات القادمة من هذه الدراسة.
صدر في  : جريدة جيجل الجديدة ، ليوم الاربعاء  23 ذو القعدة عام : 1441 هـ ، الموافق : 15 جويلية سنة:  2020 م  ، العدد : 488.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم على موقع الاستاذ عبد الحميد دغبار
اذا اعجبك الموضوع لا تنس مشاركته