ولله في خلقه شؤون (2)

الاستاذ عبد الحميد دغبار

     بعد اطلاعي على مقال – جناح مسؤول – الصادر في – جيجل الجديدة – العدد : 371  ، ليوم 22 فيفري 2020  ، تحت عنوان : كيف وصلت الجزائر إلى ما هي عليه ؟  ، وما ورد فيه من معاني وقراءات للوضع القانوني في الجزائر  ، أردت أن أشارك الكاتب في شرح المسألة القانونية في الجزائر ، من حيث توضيح (أكثر ) للمفاهيم و المصطلحات التي لا يدركها إلا أهل الاختصاص  ، فأقول :  أن الفضل و الفساد الذي عرفته الجزائر خلا العشريتين السابقتين لم يأت من الفراغ القانوني  ، وكل من يدعي ذلك هو بعيد عن الحقيقة  ، وجاهل للمبادئ القانونية العامة المتعارف عليها عالميا .
    إن الفشل و الفساد الذي عم و أصاب كل المجالات و القطاعات (1) يعود في أصله إلى الأشخاص الذين – قفزوا- (2) فوق تلك القوانين فتحطموا على صخرتها لاحقا ، فالمسئولون الجالسون اليوم في السجون ، استند قضاة الجمهورية عند وضعهم في ذلك المكان إلى تلك النصوص التشريعية و التنظيمية التي قفزوا فوقها و لم يحترموها .
     وبالمختصر المفيد نقول  : إن الجزائر كبلد يعيش عصره اليوم ، لا يمكن أن تستقر أموره و تنمو و تتطور إلا في ظل وجود منظومة قانونية متكاملة  ، وهو ما عرفته منذ الاستقلال بشكل عام وخلال العشريتين الأخيرتين بشكل خاص  ، إنها المنظومة التي سهر على إعدادها في شكل مشاريع رجال مخلصين لله و للوطن أكفاء ومختصين ، ومنهم كاتب هذه السطور ، وعليه فالأولى أن تتجه أنظارنا جميعا لذلك التغيير المنشود الذي نراه نحن يبدأ من حالة اختيار الشخص المسؤول المتمتع بالكفاءة و نظافة اليد  ، ولله في خلقه شؤون.
(1)   – في هذا المعنى يقول الكاتب – جمال لعلامي - ما نصه أن  : (إمهال الرئيس تبون الولاة ورؤساء الدوائر و الأميار و المنتخبين و المسئولين المحليين ، ومنهم ...الوزراء  ، سنة لتجسيد التغيير ، مع بداية ظهور النتائج الأولى خلال ثلاثة أو أربعة أشهر هو منطق الاستشراف و التسيير الذي لا يعتمد على ضرب (خط الرمل) ... ولكن بالإحصاءات الدقيقة و المعلومات المستنبطة من الواقع المعيش .
    لا يختلف اثنان ...حول الوقت الذي ضيعته الجزائر خلال العشرين سنة الماضية  ، لقد ظلت البلاد رهينة ( كل عطلة فيها خير ) و ( الشغل المليح يطول )  ، ولذلك بقي الإقلاع الاقتصادي معلقا ... وظل الوضع الاجتماعي مزريا ومليئا بالمآسي والفضائح ، إلى أن بلغ السيل الزبى  ، وهو الذي دفع الرئيس إلى اختزال الواقع بالقول : إن الجزائريين مازالوا يعيشون قبل عام 1962 !
    انعدام الآجال في كل شيء هو الذي عطل المشاريع و ووأد التنمية حية ترزق في مقبرة الارتجالية و الفساد  ، و أجل تطبيق القوانين ، وأخر تقدم البرامج في السكن و التنمية المحلية و الأشغال العمومية و الصحة و البنية التحتية و النقل و التربية و التجارة و الفلاحة وغيرها من القطاعات الحيوية و الحساسة لتطور أي بلد ، وعدم احترام الآجال هو الذي (سمن) أيضا المفسدين و المرتشين .
    تتفيه الآجال هو الذي فرض الاستيراد كبديل مقنع من طرف العصابة ،ورجال المال و الأعمال و المستثمرين و المستوردين الذين كانوا يسبحون بحمد الحاشية وبطانة السوء وهو كذلك الذي قتل ثقة الشركاء الأجانب في اقتصادنا المبني حصريا و فقط على ضرع ( البقرة الحلوب ) التي أصبحت تدر دما ودموعا بدل غاز ونفط !
     لقد عمت عقلية ( ولي غدوة ) أو ( ولي مور الكونجي ) أو ( ولي مور الفوط) أو ( ولي كاش نهار) الأمر الذي قتل قيمة الوقت عند الجزائريين بسبب استهتار المسئولين و تلاعبهم وعدم احترامهم للآجال الزمنية ، والأخطر من ذلك أن الوالي و المير ورئيس الدائرة و المدير اتفقوا على كلمة سر واحد موحد مفادها (ما وصلنا والو) وهذا للتهرب من مسؤولياتهم وعدم تحمل أعباء المنصب و الاستمرار في ( مرمدة المواطنين عبر مناطق الظل و الشمس معا ...) انه فعلا وصف دقيق للوضعية لاجتماعية و التنموية خلال العشريتين السابقتين.

انظر الشروق ، العدد 6412 ليوم 24 جمادى الأولى 1441 هـ الموافق 18 فيفري 2020 م
(2)     أقول قفزوا حتى لا أقول شيئا آخر يتجاوز حد التعبير النقي و السليم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم على موقع الاستاذ عبد الحميد دغبار
اذا اعجبك الموضوع لا تنس مشاركته