جامعة الدول العربية ... واقع و آفاق مبدأ المحافظة على السلم و الأمن العربي

جامعة الدول العربية ... واقع و آفاق 

 مبدأ المحافظة على السلم و الأمن العربي

الحلقة 24 :
لقد كان هذا المبدأ محل نقاش و خلاف بين الوفود العربية المشاركة في اجتماع اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام إلا أن نصوص بروتوكول الإسكندرية الذي جاء بعد ذلك لم تحمل أية إشارة للخلاف بل على العكس من ذلك وجدناها تحمل بنودا توضيحية تبين ضرورة وحتمية استبعاد القوة في فض المنازعات بين الدول العربية حيث نقرا فيها :
( لا يجوز في كل حال اللجوء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين من دول الجامعة يتوسط مجلس الجامعة في الخلاف الذي يخشى منه وقوع حرب بين دولة من دول الجامعة أو غيرها للتوفيق بينها)
و رغم هذا الوضوح البين فإن الخلاف و النقاش بين الوفود العربية تجدد بانعقاد اللجنة الفرعية السياسية التي انبثق عنها ميثاق الجامعة حتى و ان كانت آراؤهم أخيرا قد استقرت على الصيغة المعروفة حاليا و المثبتة في المادة الخامسة (05) التي تقول:
( لا يجوز الاتجاه إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة يتوسط مجلس الجامعة في الخلاف الذي يخشى  منه وقوع حرب بين دولة من دول الجامعة وبين أية دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها للتوفيق بينهما ).
   وبسبب كون الهدف المراد واحد في كل من بروتوكول الإسكندرية و ميثاق الجامعة فإن القارئ لنص البروتوكول قد لا يجد اختلافا حتى في الألفاظ عند قراءته لنص المادة الواردة في الميثاق لكثرة  تشابههما في المبنى وتقاربها في المعنى حتى وان كان نص الميثاق قد أضاف أشياء لم تعرفها بنود البروتوكول بغية الزيادة في التوضيح والشمولية للمعنى والاتساع في التطبيق ومنها ما جاء في المادة السادسة (06) الذي نصه : (إذا وقع اعتداء من دولة على دولة أخرى من أعضاء الجامعة فللدولة المعتدي عليها أو المهددة بالاعتداء أن تطلب دعوة المجلس للانعقاد فورا).
      وعموما يبقى جوهر هذه النصوص هو المحافظة على السلام والأمن العربي.
    وإذا كانت السوابق التاريخية لنص المادتين الخامسة (05) و السادسة (06) ولما هو وارد في بنود البروتوكول بخصوص موضوعهما الذي سبق لنا معالجته فإننا سنكتفي هنا منعا للتكرار بالتعرض لبعض الواجبات التي فرضت بموجب الميثاق كضرورة لتحقيق هذا الهدف:
 أ-الامتناع عن استعمال القوة لفض المنازعات التي تقوم  بين الدول الأعضاء ويلاحظ هنا أن ميثاق الأمم المتحدة لم يخرج عن نفس الحكم وبذلك عد ميثاق الجامعة في هذا المجال  متماشيا مع ذلك الشعور العام الذي كان سائدا في المجتمع الدولي والذي مؤداه تحريم اللجوء إلى القوة لفص المنازعات بين الدول ولا ننسى هنا أن ميثاق جامعة الدول العربية سابق ميثاق الأمم المتحدة على المسرح الدولي ، ولعل التفسير الأقرب  إلى الواقع الذي يمكن أن يعطي لشرح هذا الأمر هو أن أخطار الحرب  العالمية الثانية قد طالت اغلب أجزاء المجتمع الدولي بما في ذلك الوطن العربي حيث عرف شعبه الدمار الرهيب أسوة بالشعوب الأخرى فكان من الضروري بل ومن الواجب أن تلجا الدول العربية المؤسسة للجامعة إلى الأخذ بقاعدة تحريم استعمال القوة في فض المنازعات بين الدول حتى ولو لم تكن قد عرفت هذه القاعدة بعد السيمة الدولية و التثبيت في ميثاق الأمم المتحدة.
ب- اختصاص مجلس الجامعة بالتدخل في كل خلاف يخشى منه وقوع حرب بين دولة من دول الجامعة و بين أية دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها للتوفيق  بينها غير أن تدخل المجلس هنا يظل محكوما بعدة ضوابط تبدأ بضرورة لجوء الإطراف المتنازعة إليه وتنتهي عند اعتبار قراراته في حالة الوساطة لا تتصف بالإلزام.
    ومعنى الضابط الأول هو أن اختصاص المجلس توفيقي يتوقف على إرادة المتنازعين فلا يكفي أن يعرض احد أطراف النزاع الخلاف على المجلس كي يختص بنظره بل لا بدمن لجوء جميع أطراف النزاع إليه بغية حمله عن طريق الوساطة وهو ما تقتضيه صيغة النص .
أما بالنسبة للضابط الثاني فان قرارات المجلس حتى مع تحقيق الضابط الأول ليست ملزمة لهذه الأطراف إلا إذا وافقت عليها.
ج- إن طبيعة وشكل وصفة نظام الحكم القائم في الدول العربية الأعضاء يعتبر حقا من حقوق تلك الدول و لذلك تتعهد كل دولة عضو باحترام ذلك النظام و بعدم القيام بأي عمل يرمي لتغييره ،و عليه و حتى تتحقق إمكانية المحافظة على السلام و الأمن العربي يجب عدم أباحة تدخل أي عضو في الجامعة في الشؤون الداخلية للأعضاء الآخرين.
       وإذا ما تجاوزنا بنود البروتوكول ونصوص الميثاق وبحثنا عن هذا الهدف في أعمال الجامعة فإننا نجد الشيء الكثير ومن ذلك إبرام معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي في يونيو1950حيث تقرر بموجبها اتخاذ تدابير ووسائل - بما في ذلك القوة المسلحة-  لرد أي اعتداء يقع على دولة عضو بالجامعة ,كما تقرر بموجبها أيضا الأخذ بقاعدة الأغلبية  -  اغلبيه الثلثين- وان كانت هي أخرى تركت الاختصاص النهائي في حفظ السلم والأمن  بموجب المادة الحادية عشر  (11) منها لمجلس الأمن الدولي عملا بما هو مقرر في ميثاق الأمم المتحدة ولاعتبار جامعة الدول العربية منظمة دولية إقليمية عامة .
        إن كل هذه الوسائل لم يعرفها الميثاق لا لكونه قائما على النظام الاختياري للأمن وقمع العدوان فحسب بل لكونه لم يحدد مفهوما للعدوان أيضا حيث ترك ذلك للسلطة التقديرية لمجلس الجامعة كما انه لم يحدد التدابير التي يمكن أن تتخذ لقمعه ولم ينشىء الأداة المنفذة له وترك الأمر هنا كذلك لمجلس الجامعة يتصرف فيها حسب ما يشاء وما يراه مناسبا مما يعني أن  صلاحيات هذا المجلس في مثل هذه الظروف وفي ظل ما يقرره هذا الميثاق هي صلاحيات جد واسعة .
      ولعل هذا الوضع هو الذي أهله ليكون كطرف معني بالتصريح الصادر من أمريكا وفرنسا وبريطانيا حول الموقف في الشرق الأوسط إذ أصدر على أثره ردا في اجتماعه المنعقدة يوم 12ماي 1950جاء فيه : ( الدول العربية التي تنزع إلى السلام بطبيعتها وحرصا منها على التزاماتها المترتبة عن ميثاق الأمم المتحدة لا يسعها إلا أن ترحب بسياسة ايجابية ترمي إلى توطيد أركان السلم والمحافظة على الاستقرار في أي من مناطق العالم وهي باب أولى  السلام في الشرق الأوسط ) ولا شك  انه على عاتق الدول العربية منفردة  ومجتمعة كمنظمة إقليمية بالمعنى المقصود في المادة الثانية والخمسين  (52) من ميثاق الأمم المتحدة تقع المسؤولية الأولى في المحافظة على السلم والاستقرار في منظمتها  وما يمكن إن يستنتج من هذا الرد هو تحميل الجامعة عبئ كفالة السلام في منطقتها والدفاع عنه ,أي انه احد أهدافها الأساسية وبحكم كونها منظمة إقليمية مثل غيرها من المنظمات المشابهة لها وفق ما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة فهي تعمل على توحيد سياسة أعضائها في المجال الخارجي فيما يتعلق بصيانة السلام والأمن .
ونفس الموضوع أيضا نجد مجلس الجامعة يصدر قرار يوم 06جانفي 1992م يدعو فيه مجلس الأمن إلى حل النزاع الأمريكي الفرنسي البريطاني الليبي حول قضيتي طائرتي – بان آم-ا لأمريكية و - بوتي أي -  الفرنسية عن طريق المفاوضات والوساطة والتسوية القضائية وفقا لما تنص عليه مواد ميثاق الأمم المتحدة في الفصل السادس والتي تدعو الأطراف المتنازعة  لتسوية المشاكل التي تنشأ بينها بالطرق السلمية.
       كما كلف الأمين  العام بتنفيذ هذا القرار بالوسائل التي يراها مناسبة وكان مجلس الجامعة قد اجتمع بالتاريخ المذكور أعلاه على مستوى المندوبين بطلب من الجماهيرية الليبية.
    والملاحظ هنا إن التوسع في مجال صلاحيات مجلس الجامعة وهو ما يبدو من خلال إصداره للرد الأول ,وللقرار الثاني المشار إليهما أعلاه ، ليس عيبا في الميثاق أو عائقا في وجه تحقيق أهداف  أعضاء الجامعة بقدر ما هي صلاحيات عامة ترمي إلى تحقيق أهداف عامة قد لا تتحقق لو تركت للدول الأعضاء منفردة نتيجة للمتغيرات الدولية ولافتقار الدول الأعضاء جميعا تقريبا للقوة الضرورية الاقتصادية منها والعسكرية التي تجعل من صوتها مسموعا ورأيها مطاعا وقوتها مهابة في المجتمع الدولي ومن ثمة فالوسيلة الأكثر نجاعة  في هذه الحالات هي الاعتماد على منتظم الجامعة وباعتبار قضية السلام كل لا يتجزأ فان جامعة الدول العربية لم تقتصر عنايتها بحفظ  الأمن والسلام عندما تكون الأطراف عربية أو عندما يكون طرف عربي وأخر أجنبي بل تعدت ذلك حتى مع حالة اعتبار  الأطراف جميعها ليست عربية في هذا الإطار يمكن الإشارة إلى القرار الذي أصدره مجلس الجامعة في   2فبراير 1951م عندما اشتد  النزاع بين ما كان يسمى بالكتلة الشرقية والكتلة الغربية والذي جاء فيه : ( في هذه الظروف العصيبة التي تجتازها شعوب العالم ,والتي تهدد الإنسانية بأفدح  الأخطار تجد جامعة  الدول العربية لزاما عليها أن تؤكد مرة أخرى شديد استمساكها بقضية السلام العادل وبالغ حرصها على صيانة الأمن الدولي وكبير رجائها في أن تمضي الجهود  المبذولة لحل المشكلات الدولية الكبرى بالوسائل السلمية إلى غايتها المنشودة ).
   إن ما يمكن أن يستنتج من كل ما سبق هو أن هدف المحافظة على السلام والآمن العربي يقتضي بداية تسوية جميع خلافات الدول الأعضاء بالطرق السلمية وذلك مهما كان شكل ونوع النزاع ومهما اتسع مجاله وكبرت مساحته فان لم يتحقق هذا المطلب فمن المستبعد احترامه في حالة دخول الطرف الأجنبي في النزاع ومن ثمة فالأصل هو تنظيم  العلاقات  العربية – العربية على أسس سليمة وخالية من كل الدسائس والمؤامرات التي تحاك لبعضها البعض سرا وعلانية .
    إن توفر مثل هذه الإرادة لدى الدول الأعضاء أي إرادة التسوية السلمية للمنازعات التي تقوم بينها تشجع المنتظم العربي ( جامعة الدول العربية ) على اتخاذ مبادرات لتسوية كل نزاع ينشب بين الأعضاء بما في ذلك بالطبع منازعات الحدود دون التقيد الحر في بنصوص الميثاق في حالة ما إذا ثبت أن ذلك يعيق من حركة الجامعة و نشاطها لتسوية النزاع تسوية سليمة و بهذا يصبح هدف المحافظة على السلام و الأمن العربي عاملا مساعدا على تسوية المنازعات والحدود العربية بالطرق السلمية والتي عمرت طويلا دون أن تجد حلا لها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم على موقع الاستاذ عبد الحميد دغبار
اذا اعجبك الموضوع لا تنس مشاركته