جامعة الدولة العربية .. واقع وآفاق مبدأ المساعدة المتبادلة

جامعة الدولة العربية .. واقع وآفاق

مبدأ المساعدة المتبادلة

الحلقة 23

      إذا كانت جامعة الدول العربية  منظمة دولية إقليمية قائمة على أساس التعاون الاختياري بين الدول الأعضاء فيها , فإن ذلك يعني  عدم جواز المساس بسيادة هذه الدول بل انها تقوم بصيانة استقلالها من كل اعتداء سواء كان آتيا من أحد الأعضاء أو من أطراف خارجية .
     ومن هنا كان مبدأ المساعدة المتبادلة الوارد في ميثاق جامعة الدوال العربية يفيد التزام الجامعة باتخاذ كافة التدابير الممكنة السياسية منها والقانونية و الاقتصادية و حتى العسكرية لرد العدوان الواقع على أي دولة عربية تكون عضوا  فيها فيها .
    و لذلك اعتبر هذا المبدأ ترجمة عملية لصيانة استقلال و سيادة  دول الأعضاء بالجامعة , لأنه و من دونه من الصعب تصور نجاح الجامعة في صيانة هذا الاستقلال والسيادة .
     و مبدأ المساعدة المتبادلة لم يخرج عن القاعدة التي عرفتها اغلب المواثيق العربية , كما عرفت هذه المواثيق  مبدأ الالتزام بمبادئ منظمة الأمم المتحدة , عرفت أيضا مبدأ المساعدة المتبادلة , بدءا ببروتوكول الإسكندرية , فميثاق الجامعة و أخيرا معاهدة الدفاع المشترك و التعاون الاقتصادي بين الدول العربية الأعضاء في الجامعة , إذ أننا نجد الوثيقة الأولى المتمثلة في بروتوكول الإسكندرية  تنص على أهم مهام المجلس وهي : ( مراعاة تنفيذ  في ما تبرمه الدول فيما بينها من اتفاقيات , و عقد اجتماعات دورية لتوثيق صلات بينها , و تنسيق خططها السياسية تحقيقا للتعاون فيما بينها و ذلك بهدف تحقيق غاية كبرى و هدف اسمي إلا و هو صيانة استقلال و سيادة الدول الأعضاء في الجامعة من كل اعتداء سواء كان داخليا من احد الأطراف أو خارجيا ).
    أما  ميثاق  الجامعة فخصص مادة كاملة للحديث بالتفصيل عن هذا الوضع و ذلك في المادة السادسة (6) التي جاء فيها ما نصه : (  إذا وقع اعتداء من دولة على دولة من أعضاء الجامعة , أو خشيا وقوعه فللدولة المعتدى عليها , أو المهددة بلإعتداء , أن تطلب دعوة المجلس لانعقاد فورا , ويقرر المجلس التدابير اللازمة لدفع هذا الاعتداء , ويصدر القرار بالإجماع , فإذا كان الاعتداء من إحدى دول الجامعة لا يدخل في حساب الإجماع رأي الدولة المعتدية .
و إذا وقع الاعتداء بحيث يجعل حكومة الدولة المعتدى عليها عاجزة عن الاتصال بالمجلس, فلممثل تلك الدولة فيه أن يطلب انعقاده للغاية المبينة في الفقرة السابقة, و إذا تعذر على الممثل الاتصال بمجلس الجامعة حق لأي دولة من أعضائها أن تطلب انعقاده).
       إن ما يمكن أن يفهم من الإجراءات و العمليات الملزمة التي جاءت بها أحكام هذه المادة في هذا الموضوع هو :
1-حرمان الدول المتنازعة من الاشتراك في مداولات المجلس و قراراته , حيث رأى و أضاعوا الميثاق أنه رفعا للحرج الذي قد يقع فيه الأعضاء عند تحديدهم للمخطئ, و تأمينا للعدل و الإنصاف عند  الفصل بين المتخاصمين يجب الا يحضر الطرفان المتنازعان مداولات المجلس كما لا يشاركان في إصدار القرار .
    علما بأن هناك فرق بين الاشتراك في المداولات و حضور الجلسات إذ أنه يحق للمتخاصمين الحضور في الجلسات كما يحق لكل منهما الإدلاء برأيه و حجته و من حق الطرف الآخر أن يستمع إليه و يرد عليه , و بديهي أن هذه الحالة تكون عندما يكون أطراف النزاع أعضاء بالجامعة .
2-إن رأي واضعو الميثاق في موضوع الاعتداء ليس محل خلاف , إذ أنهم أخذوه – وفقا لأحكام هذه المادة كواقعة لا مسألة قانونية , يريد كل طرف أن يقيم الدليل على ما يدعيه الاعتداء يكون مثلا هنا – عند اعتبار واقعة – دخول جيوش أجنبية للبلد أو حالة الحصار البحري ... الخ , فمجلس الجامعة , حسب رأينا هنا , هو المكلف بتكييف الموضوع المعروض عليه بين اعتباره واقعة أو مسألة قانونية , و هو الذي يقرر بشأنه أمرا , استنادا لذلك التكييف ,وله حق اعتباره اعتداء كما له حق اعتباره خلاف ذلك .
   وحسنا فعل واضعو الميثاق هنا عندما خولوا المجلس الجامعة حق الاختصاص الأول والأخير في تكييف الوقائع في شأن هذه الحالة لما لخطورتها من جهة وتمنيا للعدل والإنصاف عند الفصل فيها من جهة أخرى ,خصوصا إذا ما عرفنا أن الطرفين المتخاصمين لا يحق لهما الاشتراك في مداولات المجلس عند اتخاذه للقرار المطلوب وذلك ما يمكنهم من اتخاذ القرار الاصوب  بدون إحراج ,كما تكون تلك القرارات على قدر كبير من العدل , مما يسهل من تسوية الخلاف في أقصر مدة ممكنة .
    و لا ننسى عامل تسوية الخلاف الناشب بين طرفين عضوين بالجامعة في أقصر مدة ممكنة  من مزايا و محاسن و التي يمكن ذكر بعضها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر , وبشيء من الاختصار:
أ/ في تسوية الخلاف في أقصر مدة ممكنة  لا تنتج عنه أحقاد بين شعوب الأطراف المتنازعة مما يسهل من تقاربها و تعميق تعاونها على الأقل في الميادين الاقتصادية و الثقافية طالما أن التقارب السياسي لازال  يشكل الأمل البعيد في ظل قيام الأنظمة السياسية الحالية و لنا هنا في الخلاف القائم اليوم ( 2018 ) بين دولة قطر من جهة  والسعودية و الإمارات العربية المتحدة ومن معهما من جهة أخرى خير مثال , و حتى و إن كان هذا الخلاف قد  تم عرضه على مجلس التعاون الخليجي , قبل عرضه على مجلس جامعة الدول العربية .
ب/ في تسوية الخلاف أو النزاع في أقصر مدة ممكنة بعد قيامه يجعل الخسائر التي يمكن أن تصيب أطرافه ضعيفة جدا , و هو ما يعود بالنفع على شعوب تلك الأطراف , إذ عوض أن تهدر أموالها في مسائل لا طائل من ورائها تستغلها في أمور تزيد من تقدمها و تطورها وازدهارها .
ج/ في تسوية الخلاف أو النزاع في مدة قصيرة يخلق شعورا عاما لدى الدول الأعضاء في الجامعة بأن منازعاتهم إذا عرضت على المجلس سيفصل فيها بالعدل و الإنصاف وفي أقرب وقت ممكن , مما يشجعهم على التقدم له بدعا ويهم بسرعة في حالة تعرضهم لاعتداء أو في حالة شعورهم بتهديد بهذا الاعتداء , أو في حالة شعورهم بالتهديد بهذا الاعتداء , و ذلك ما قد يقلل من حالات اللجوء إلى المنظمات الدولية الأخرى سواء العالمية منها كمنظمة الأمم المتحدة أو الإقليمية.
   إن هذا القول لم ينبع من عاطفة كما قد يتبادر لأذهان البعض بقدر ما هو حتمية تاريخية و دولية.
  فالحتمية التاريخية تظهر من خلال تتبع الصراعات العربية-العربية  التي عرفتها أقطار الوطن العربي منذ قيام الجامعة إلى اليوم (2018) تبين بشكل واضع أنه لا مكان أفضل لتسوية هذه الصراعات و النزاعات سوى الجامعة و مجلسها فهو المكان الذي تستطيع فيه هذه الدول معاتبة بعضها البعض في جو من الأخوة و بدون حواجز بروتوكولية مصطنعة تزيد من تنافر أطراف الصراع بدلا من تقاربهم , و لا أدل على ذلك من أن جميع المنازعات و الصراعات و الخلافات التي عرفتها الدول العربية مع بعضها البعض كانت مسبوقة أو متبوعة على الأقل بانعقاد مجلس الجامعة للنظر في شأن النزاع , و ذلك بدءا بأول نزاع عرفه الوطن العربي بعد قيام الجامعة و الذي كان بين سوريا و لبنان عام 1946.
  أما الحتمية الدولية فتعود للمواثيق و الأعراف الدولية التي هي بدورها تدعوا الدول القائم بينها نزاع إلى ضرورة عرض نزاعها على المنظمات الدولية الإقليمية قبل رفعه إلى المنظمة الدولية العالمية العامة. و ميثاق الأمم المتحدة خير شاهد لنا في هذا المجال إذ نجد المادتين منه (33 , 52) تحثان على ذلك ونقدم هنا نص المادتين لتقريب الفهم من جهة و لمزيد من التوضيح  للموضوع و الفكرة و هكذا نقرأ في نص المادة (33) ما يلي : (يجب على أطراف أي نزاع  شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم و الأمن الدولي للخطر , أن يلتمسوا حله , بادئ ذي بدء بطرق المفاوضة و التحقيق و الوساطة و التوفيق و التحكيم و التسوية القضائية أو أن يلتجؤوا إلى الوكالات و التنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارهم).
  أما المادة (52) فقد جاء فيها بشأن هذا الموضوع: ( ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج الأمور المتعلقة بحفظ السلم و الأمن الدولي , ما يكون العمل الإقليمي صالحا فيه , و مناسبا ما دامت هذه التنظيمات أو الوكالات الإقليمية و نشاطها متلائمة مع مقاصد الأمم المتحدة و مبادئها .
     و يبذل أعضاء الأمم المتحدة الداخلون في مثل هذه التنظيمات أو الذين تتألف منهم تلك الوكالات, كل جهدهم لتدبير الحل السلمي للمنازعات المحلية, عن طريق هذه المنظمات الإقليمية, أو بواسطة هذه الوكالات الإقليمية, وذلك قبل عرضها على مجلس الأمن.
     كما على مجلس الأمن أن يشجع على الاستكثار من الحل السلمي لهذه المناعات المحلية عن طريق هذه التنظيمات الإقليمية ,أو بواسطة تلك الوكالات الإقليمية , بطلب من الدول التي يعينها الأمر ...)
       بعد هذا العرض يحق لنا أن نقول بأن واضعو ميثاق الجامعة كان لهم الفضل – في السبق التاريخي- لاعتماد مبدا المساعدة المتبادلة في الميثاق لأن ميثاق الجامعة سابق – تاريخيا – من حيث الظهور على المسرح الدولي مسثاق منظمة الأمم المتحدة .
   اننا هنا نريد ان ننصف كل من اجتهد و أصاب من خيرة هذه الأمة السياسيين منهم و المفكرين و الباحثين الأكاديميين .
   إن ظهور هذا المبدأ في الميثاق بالصورة التي هو عليها يبين بأن هناك جهد جماعي امتزج فيه فكر الباحث المتخصص بجهد السياسي الماهر و الوطني الغيور فهل تقتضي أجيال هذا الوطن الكبير بمثل هؤلاء ليكونوا خير خلف لخير سلف .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم على موقع الاستاذ عبد الحميد دغبار
اذا اعجبك الموضوع لا تنس مشاركته