جامعة الدول العربية ..واقع و آفاق (تسوية المنازعات العربية- العربية بالطرق السلمية )

جامعة الدول العربية ..واقع و آفاق (تسوية المنازعات العربية- العربية بالطرق السلمية )

جامعة الدول العربية ..واقع و آفاق

(تسوية المنازعات العربية- العربية بالطرق السلمية )

الحلقة 22
   تناولنا في الحلقة   السابقة من هذه الدراسة , مبدأ المساواة القانونية بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية و اليوم سوف نتناول في هذه الحلقة بالدراسة و التحليل أحد أهم المبادئ الواردة في ميثاق الجامعة , بل وفي كل مواثيق المنظمات الدولية العالمية منها و الإقليمية .و كبداية مبسطة لهذا الموضوع نقول : أن مسالة فض المنازعات بين الأقطار العربية لم تستقر على رأي أو قاعدة أو اجماع واضح وصريح و شامل بمعنى أنها لم تعرف حلولا تزول معها كل أسباب و دواعي التوتر و إنما عرفت – أي هذه المنازعات – آليات للتهدئة .
     و بمعنى آخر نقول :  أن ما عرف عن هذه المنازعات هو وقف تصعيدها أو إيجاد صيغ  توفيقية مؤقتة لاحتوائها , و في أحسن الأحوال توقيفها . وهذا الأمر أو القاعدة تسري على جميع حالات النزاع التي عرفتها الدول العربية , فيما بينها , و لعل أحسن مثال يقدم في هذا المجال هو تدخل جامعة الدول العربية في النزاع العراقي -الكويتي عام 1961 .
      إن هذا النزاع لم يتم حله في ذلك الوقت (أي عام 1961 ) و إنما تم احتواؤه ووقف تصعيده , الأمر الذي جعله يظهر من جديد ,وتعجز الجامعة عن إيجاد الصيغ  الملائمة لتسويته , ولعل نتائجه على أعضاء الجامعة لا تحتاج إلى دليل , بل أن آثاره قد امتدت  لسنوات طويلة و المستقبل هو الكفيل بإظهار حجم الآثار.
لكل هذه الأسباب , ارتأينا عند دراسة هذا المبدأ ,استخدام لفظ (التسوية) بدلا من لفظ (حل).
      وإذا ما وضعنا مسألة اللفظ المستعمل في الدراسة جانبا , فإن أخذ ميثاق جامعة الدول العربية بهذا المبدأ قد يعد أمرا غريبا , بل و مدهشا ,على أساس أن تاريخ العلاقات الدولية لم يسجل أية سابقة تاريخية سياسية أو قانونية تعرضت بصور صريحة وواضحة لهذا المبدأ ,مما يعني أنه لم يكن قد تبلور بعد سواء في إطار المنظمات العالمية  منها و الإقليمية.
     إلا أن وجه الغرابة يزول بالنظر لما هو وارد في ميثاق الجامعة ,إذ أنه لم يكتف بالنص على تسوية المنازعات العربية-العربية  بالطرق السلمية وحسب , و إنما تعدى ذلك إلى النص على ضرورة تعاون الجامعة مع الهيئات الدولية التي ستقام في المستقبل و تسعى لحفظ الأمن و السلم الدوليين , و ذلك في نص المادة الثالثة (03) التي جاء فيها ما نصه :
(... تقرير وسائل التعاون مع الهيئات الدولية التي قد تنشأ في المستقبل لكفالة الأمن و السلام و لتنظيم العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية ....)
    بل أن المادة التاسعة عشر (19) حرصت على أن يكون تعديل ميثاق الجامعة مستهدفا زيادة فعالية الجامعة في مجال حفظ السلم و الأمن الدوليين عن طريق تنظيم صلاتها بالهيئات الدولية التي قد تنشأ في المستقبل .ولا ننسى انه لو حدث و أن عدل الميثاق لهذا السبب , فإنه سيعد من أهم الأحداث التي عرفتها جامعة الدول العربية , مما يعطي لورود مثل هذا المبدأ في الميثاق أهمية خاصة تصل إلى حد اعتباره أول و أهم مبدأ قامت عليه الجامعة , مما يستلزم معه القول أن جامعة الدول العربية قد التزمت و من البداية بالمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة و التي من بينها فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية و هذا على الرغم من أن الجامعة أنشأت قبل ظهور منظمة الأمم المتحدة .
    ولعل سبب ورود المادتين ( 3و 19) في ميثاق الجامعة يعود بالدرجة الأولى لأولوية ظهور هذه , حيث أنه لو حدث و أن قامت منظمة الأمم المتحدة قبل ظهور الجامعة لكان ورود مثل هاتين المادتين في الميثاق شئ لا معنى له أو لنقل لا ضرورة قومية أو دولية  او قانونية تستدعي ورودهما في الميثاق ولأمكن الاكتفاء بالنصوص الأخرى التي تتحدث صراحة عن هذا المبدأ .
كما يزول وجه الغرابة و الاندهاش أيضا بالنظر لوثائق الجامعة سواء السابقة منها لميثاقها أو اللاحقة بعده فبالنسبة لبروتوكول الإسكندرية مثلا , و هو كما نعلم وثيقة سابقة لميثاق الجامعة جاء فيه بخصوص هذه النقطة ما نصه : "...لا يجوز على كل حال الالتجاء إلى القوة لفضل المنازعات بين الدولتين و لكل دولة أن تعقد مع دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها اتفاقيات خاصة لا تتعارض مع نصوص هذه الأحكام وروحها ..."
      وما يفهم من هذا النص هو التحذير الواضع من استعمال القوة بين الدول العربية الأعضاء في الجامعة لتسوية خلافاتهم و منازعاتهم , و طالما أن هذا التحذير عام و غير مخصص لأشكال معينة من النزعات فالقصد و الحالة هذه في رأينا هو إدخال كل المنازعات و الصراعات و الخلافات  المحتملة بين الدول العربية .
        و لا يخرج عن هذا الإطار أيضا ما جاء به ميثاق الجامعة في المادة الخامسة  (5) منه التي تقول:  "لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة فإذا نشب خلاف لا يتعلق باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضها و لجأ المتنازعون إلى المجلس لفض هذا الخلاف كان قراره عندئذ نافذا و ملزما "
     و ما يلاحظ على هذه المادة هو أنها تنص على أن ما يقوم به المجلس في هذه الحالة هو التحكيم و الوساطة , و إذا كانت الوسيلة الأولى ( التحكيم ) يشترط للقيام بها تقديم طلب من طرف المتنازعين أو أحدهما , أو من يينوب عنهما , كما يشترط أن لا يكون هذا التحكيم متعلقا باستقلال و سيادة و سلامة أراضي أحد المتخاصمين أو كلأيهما , فإن الثانية و التي هي الوساطة , لا نجد فيها مثل هذه الشروط , علما بأن المادة  الخامسة (5)  هذه هي الوحيدة التي جاءت في ميثاق الجامعة , متضمنة إشارات واضحة لوسائل التسوية السليمة للمنازعات التي تقوم بين الدول العربية الأعضاء في الجامعة , ذلك أنه و لحد الآن  (2018 ) نقول:  أنه لا يمكن أن يعتد بما جاء في المادة التاسعة عشر (19) لكونها تتحدث عن جهاز لم يظهر بعد ألا و هو محكمة عدل عربية , رغم ما يتطلبه إنشاؤها من ضرورة , و في اقتصار إجراءات التسوية السلمية للمنازعات التي تقوم بين الدول العربية  بالإضافة للتضييق من اختصاص التحكيمي لمجلس الجامعة . إنها أدلة واضحة  على أن جامعة الدول العربية مكبلة في هذا المجال بقيود قانونية عامة تجعل الاجتهاد مع وجودها خروجا عن روح الميثاق بل و حتى عن المبادئ الواردة فيه و هو الأمر الذي  يجعل الجامعة عاجزة لا محالة عن أداء الدور الفعال في إنهاء النزاع أو الخلاف الذي يقوم بين الدول العربية الأعضاء فيها , ربما كان هذا من أسباب التي جعلت الجامعة العربية تعتمد في هذا المجال بصفة أكبر على نشاط أمينها العام لتقديم مساعيه و خدماته الحميدة أو إنشاء لجان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم على موقع الاستاذ عبد الحميد دغبار
اذا اعجبك الموضوع لا تنس مشاركته