جامعة الدول العربية ..واقع وآفاق مبدأ المساواة القانونية في ميثاق جامعة الدول العربية

جامعة الدول العربية ..واقع وآفاق مبدأ المساواة القانونية في ميثاق جامعة الدول العربية

جامعة الدول العربية ..واقع وآفاق

مبدأ المساواة القانونية في ميثاق جامعة الدول العربية


الحلقة 20
     بداية نقول أن مبدأ المساواة القانونية بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية يعد من الأسس الكبرى لإنشائها بل وفي تكوين المنظمات الدولية الاقليمة  كافة ولذلك نجد كل المواثيق المنشاة لها تنص  صراحة على التزام الأعضاء فيها بهذا المبدأ,كما هو الشأن بالنسبة مثلا لمنظمة الوحدة الإفريقية قبل حلها
    حيث نصت المادة الثالثة(3)من ميثاقها في فقرتها الأولى على مبدأ المساواة بين الدول الأعضاء سواء في الحقوق أو الواجبات ,كما أن لكل دولة  عضو صوت واحد,وهذا لا يعد خروجا عن أحكام القانون الدولي بقدر ما هو امتثال له وميثاق جامعة الدول العربية لم يخرج عن هذه القواعد,حيث نجد المواد الثالثة(3) والرابعة(4) والخامسة عشر (15) منه بالإضافة إلى ما جاء في برتوكول  الإسكندرية ,تفيد جميعا أن مبدأ المساواة القانونية بين الدول الأعضاء ,يعد من أهم المبادئ التي قامت عليها الجامعة ,حيث نقرا في الفقرة الأولى من برتوكول الإسكندرية ((..يكون لهذه الجامعة مجلس يسمى- مجلس جامع الدول العربية – تمثل فيه الدول المشتركة في الجامعة على قدم المساواة..)) كما نجد في المادة الثالثة (3) نصا صريحا يخص مسألة المساواة بين الأعضاء  في المجلس ومسالة المساواة في عدد الأصوات , إذ لكل عضو صوت واحد لا أكثر مهما كان عدد ممثليه وذلك بقولها :((...يكون للجامعة مجلس يتألف من الدول المشتركة في الجامعة ويكون لكل منها صوت واحد...)).
     ولم يقتصر الميثاق – فيها يتعلق بمبدأ المساواة – على مجلس الجامعة, بل تعداه إلى اللجان والوكالات المتخصصة التي تتبع  (04) الجامعة, إذ أن المادة الرابعة منه  تنص على أن ((...تؤلف لكل من الشؤون المبينة في المادة الثانية (2) لجنة خاصة تمثل فيها الدول على قدم المساواة .
       كما منح أيضا ميثاق الجامعة لدول الاعضاء المساواة في رئاسة مجلس الجامعة ، و لذلك لا يمكن أن تحتكر دولة او عدة دول رئاسة هذا المجلس لأن ذلك يعد خروجا عن مبدأ المساواة بين الأعضاء في احقية رئاسة المجلس , طبقا لما هو وارد في المادة 15 في فقرتها الثالثة (03) و التي مؤداها : ( يتناوب ممثلوا دول الجامعة على رئاسة المجلس في كل دورة انعقاد عادية...)
      ومعنى هذا أن الرئاسة بالتداول والتناوب بين الأعضاء, فلا فرق بين دولة صغيرة وأخرى كبيرة ودولة مؤسسة للجامعة وأخرى انضمت بعد إتمام إجراءات التأسيس , وهذا ما هو مخالف لما هو وارد في ميثاق الأمم المتحدة الذي أعطى للدول الكبرى مزايا وحقوق لا تتمتع بها الدول الصغرى بغض النظر عن كونها دولة مؤسسة أو انضمت فيما بعد ومثال ذلك حق الفيتو في مجلس الأمن والممنوح - كما هو معروف- لدول الخمس الكبرى لا غير وحسنا فعلت لدول المؤسسة للجامعة , عندما أهملت حق الامتياز هذا لأنه لو حدث وأن وضعت هذه الدول نصا في الميثاق يعطي مثل هذا الحق لطائفة معينة من الدول كان بالإمكان القول عندئذ أن ميثاق الجامعة بإيراده  لمثل هذا النص يكون قد حمل بذرة فنائها , وإزالتها كمنتظم إقليمي في السنوات الأولى لقيامها.
     إن حق الامتياز الوارد في ميثاق الأمم المتحدة والممنوح لدول الخمس الكبرى , يعد من بين العراقيل الكبرى التي تحد من نشاط الأمم المتحدة وبخاصة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين . ولذلك نجد الكثير من رجال القانون الدولي العام وكذا الشخصيات الدولية والكثير من المفكرين المعاصرين يدعون جميعا إلى إدخال تعديلات جوهرية على ميثاق المنظمة.
     وفي هذا الإطار أيضا تدخل دعوة الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في المداخلة التي ألقاها في مؤتمر القمة العربية و المنعقدة بالجزائر يومي 22/23 مارس سنة 2005.
  و نحن نقول بالمناسبة هنا أن عدم الاستجابة لهذا المطلب يؤدي – بالضرورة - إلى تعطيل الكثير من المهام الرئيسية للمنظمة الدولية , مما قد يؤدي مستقبلا إلى المطالبة بالتخلي عنها نهائيا .
و بالعودة لجامعة الدول العربية نقول أن النص – في ميثاقها – على مبدأ المساواة  كان من بين الأسس القومية التي مكنت الجامعة من التحرك وبفعالية في مرات عديدة لإيقاف الصراعات العربية-العربية , و لعلل خير مثال يعطي في هذا المجال هو تدخل الناجح و الفعال للجامعة في النزاع العراقي الكويتي عام 1961 عن طريق ما سمي يومئذ بقوات الطوارئ الدولية العربية , و المتكونة أساسا من قوات سعودية و مصرية و سودانية و أردنية و تونسية , و هذا على عكس ما لو كان لمجموعة معينة من الأعضاء في الجامعة حق الامتياز , كحق الاعتراض الممنوح للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن فالأمر عندئذ سيتعقد لا محالة و لا يمكن للجامعة أن تتحرك إلا إذا ما تلقت إشارة تنفيذ بمواقفه أصحاب الامتياز , و في الغالب يكون هؤلاء في صراع دائم فيما بينهم , و من ثم يصعب اتفاقهم على أمر معين كما كان يحصل في مجلس الأمن الدولي و لا زال.
      لكل هذه الأسباب يمكن اعتبار مبدأ المساواة القانونية في خدمة الإرادة الشعبية المعبر عنها ( بالرأي العربي العام ) على أساس أن التساوي في الحقوق و الوجبات , قد يخلق الشعور بضرورة التقارب أكثر ما دام يخدم المصلحة العامة للشعوب العربية , إذ أن في مسألة المساواة لا يمكن أن يشعر أي طرف بالغبن في المعاملة , الذي يمكن أن يولد الحقد و الكراهية لمن هو في مركز أقوى و صاحب امتياز , وإذا مازال هذا التعارض ساد التقارب بحسن النية ، و التقارب بلا عقدة خوف من هيمنة طرف على آخر , يجعل التصرفات تصدر عن حسن نية لا عن خداع و تملق لمن هو أقوى , مما يسهل طرق إصدار القرار بالموافقة الجماعية , كما يسهل أيضا طرق تنفيذه . و إذا ما نفذت القرارات التي تصدر عن الجامعة – و التي لا نشك أصلا في قوميتها – يجعل المتتبع و الدارس لها يشعر بارتياح لمستقبلها الذي سيكون حافلا – بلا شك – بالإنجازات و التطورات لصالح الشعب العربي الواحد , و منها بالطبع الأمل في الوحدة التي تزيل الحدود التي رسمها الاستعمار و تركها سما في الجسم العربي إذ ما استفحل قضى على الجسد كله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم على موقع الاستاذ عبد الحميد دغبار
اذا اعجبك الموضوع لا تنس مشاركته