جامعة الدول العربية واقع آفاق الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة
جامعة الدول العربية واقع آفاق
الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة
الحلقة 19لقد جاء ميثاق جامعة الدول العربية معبرا بصورة صريحة وصادقة عن طبيعة العلاقات التي كانت قائمة بين حكومات الدول العربية , و نعتقد أنها مازالت قائمة إلى اليوم( 2018) , من حذر متبادل و تمسك بالغ بالسيادة و سعي إلى تحقيق مآرب شخصية إلى صراع بين العوامل الانفصالية , و العناصر الوحدوية , مع رغبة ما في التعاون .
و لعلى هذه العوامل المجتمعة هي التي حالت دون إصدار الدول التي وافقت على إنشاء جامعة دول العربية , إعلان مبادئ تعمل وفقها الدول المشتركة في الجامعة , و تباشر هذه الأخيرة نشاطها على أساسها , إن هذا الوضع ، على ما نرى هو حالة منفردة في المجتمع الدولي , حيث أننا لا نجد له مثيلا في أي تنظيم دولي أو تقليمي , فديباجة منظمة الأمم المتحدة مثلا , ذكرت فيه المبادئ التي تهتدي بها الهيئة و أعضاؤها في سعيها لتحقيق أهداف و أغراض الأمم المتحدة إلا أن عدم وجود مثل هذه المبادئ في ديباجة ميثاق الجامعة لا يعني انتقاء وجودها كلية لكون الميثاق في الواقع أقرها بصورة واضحة في الكثيرين موارده , كما لم يحل عدم وجود هذه المبادئ في الميثاق دون الديباجة لم يمنع جامعة الدول العربية من ممارسة اختصاصاتها للإغراض التي تسعى إليها , لكون الجامعة تعتبر منتظما دوليا إقليما تسعى لتحقيق الأهداف و الأغراض التي قامت من أجلها و لهذه السباب كانت المبادئ التي قامت عليها الجامعة لا تخرج جميعها عن النطاق و المبادئ التي تعمل وفقها المنظمات الإقليمية الأخرى , لكونها مبادئ عامة استقر عليها الأدب السياسي العالمي .
و بحكم كون هذه المبادئ قد جاءت في مواد متفرقة من الميثاق , فإن ذلك لا يمنعنا من إجمالها بستة (6) عناصر رئيسية و هي :
1-مبدأ الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة :
إن هذا المبدأ يخرج عن تلك المبادئ التي اعتاد الدارسون لجامعة الدول العربية اعتمادها بشكل أساسي , و لعل سبب ذلك يعود لكون هذا المبدأ لم يذكر صراحة في الميثاق , لكن هذا العذر لا ينبغي أن يتخذ كحجة لإهمال مبدأ أساسي و رئيسي كهذا , لكون ميثاق الجامعة كما هو معلوم سابق في ظهوره لإنشاء منظمة الأمم المتحدة , و ما يؤكد هذا التفسير هو أن معاهدة للدفاع المشترك و التعاون الاقتصادي قد نصت صراحة على هذا المبدأ , مما يفيد أن هذا النقص ليس عيبا في الميثاق بقدر ما يعود للسبق التاريخي .
إن هذا السبق التاريخي هو الذي جعل ميثاق الجامعة يكتفي بالتلميح لهذا المبدأ و ذلك من خلال حث الدول الأعضاء على التعاون مع الهيئات الدولية التي ستقوم في المستقبل و تسعى لفظ الأمن والسلام الدوليين.
إن هذا التوجه العام كان قد ظهر لأول مرة في بروتوكول الإسكندرية قبل أن يبرز في الميثاق في الواقع , فقد نص بروتوكول الإسكندرية على أن أي نظام عالمي ترى فيه الدول العربية عاملا مساعدا على تدعيم الروابط بينها أو بينها و بين بقية دول العالم يجب قبوله , و قد تعمق هذا التوجه أكثر عندما بدأت اجتماعات للجنة الفرعية السياسية المكلفة بإعداد مشروع الميثاق إذ تعددت أثناءها الآراء و الاقتراحات فعلى سبيل المثال طالب بعض الأعضاء خلال الاجتماع المنعقد بتاريخ 28فيفري سنة 1945 بضرورة النص في الميثاق على احتمال إشراك الجامعة أو دولها في نظام الأمم المتحدة أو أية مجموعة دولية جديدة بقصد التعاون ،إلا أن ممثل لبنان اعترض على ذلك لأنه حسب رأيه الجامعة لا تملك شخصية تخولها حق إقامة علاقات مع منظمات أخرى , أما و إن حدث و أعطيت للجامعة هذه الشخصية , و من ثم هذا الحق , فإن ذلك لا محالة سينقص من سيادة كل دولة من دول الجامعة , إلا أن ممثل سوريا رد عليه قائلا من الطبيعي أن نسير مع المنطق في وضع نظامنا و نحن و أنتم و مصر لم نعلن الحرب إلا أننا وجدنا فيها مصلحة لنا وللبلاد العربية , فالموضوع لم يعد بهم دولة دون أخرى , بل أصبحت مصلحتنا مشتركة بحيث أننا كجامعة نستطيع أن نقبل الواجب و أن نعد أنفسنا من الآن لهذا المستقبل القريب إلا أن الملاحظ هو أن تتعدد و تنوع أراء أعضاء للجنة الفرعية السياسية هنا لم يمنع من الحصول على موافقتهم الجماعية على الفقرة الواردة في المادة الثالثة (3) و التي مؤداها (...تقرير وسائل التعاون مع الهيئات الدولية التي قد تنشأ في المستقبل لكفالة الأمن والسلام , و لتنظيم العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية ...)
تم تدعيم هذا التوجه أكثر بنص المادة (19) التي نصت على أن يكون أحد أغراض تعديل ميثاق الجامعة هو: (... تنظيم صلات الجامعة بالهيئات الدولية التي تنشا في المستقبل لكفالة الأمن و السلام كما تدعم أيضا هذا التوجه من خلال نشاط الجامعة وممارستها لاختصاصاتها و من خلال تطور علاقتها بمنظمة الأمم المتحدة , مستندة في كل هذا إلى المادتين السابقتين (3 و 19) وإلى ميثاق الأمم المتحدة ذاته هذا الأخير الذي اعترف صراحة بضرورة وجود المنظمات الدولية الإقليمية قصد تقديم يد المساعدة في مجال حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية (... و كذا التدابير التي يمكن أن تتخذها الدول للحد من انتشار هذا النزاع في انتظار إيجاد الوسيلة الممكنة لحله , و ذلك عملا بما أعطى لمجلس الأمن من حق الاستعانة بالهيئات الإقليمية لتنفيذ عمل ما يدخل في نطاق اختصاصها أخذا بما جاء في المواد ( 25 و 53 و 54) من ميثاق الأمم المتحدة ...)
وقد تجسد نشاط الجامعة في هذا المجال فعليا في إشراك الأمين العام للجامعة العربية , و حضوره باستمرار في دورات الجمعية العامة لأمم المتحدة و كذا احتفاظ الجامعة بممثل دائم لها في المقر الدائم للأمم المتحدة , يضاف إلى ذلك مشاركة الأمين العام للأمم المتحدة في أغلب الاجتماعات الدورية لمجلس جامعة الدول العربية , و من ذلك مشاركته في مؤتمر القمة السابعة عشر المنعقد بالجزائر يومي 22 و 23 مارس 2005 , كما أن البيان الختامي لهذه الدورة أشار إليها في الفقرة الثانية منه إلى ضرورة توسيع مهام الجامعة و تعزيز دورها , و كذا التزام أعضائها بالقيم الإنسانية السامية التي كرسها ميثاق الأمم المتحدة و أحكام الشرعية الدولية , و بمعنى آخر أن الالتزام بميثاق الأمم المتحدة أصبح من الثوابت في عامل الجامعة وسلوكيات أعضائها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق