جامعة الدول العربية القمم العربية الدورية المنتظمة (الأبعاد ... المعوقات ... التداعيات) الحلقة 14

جامعة الدول العربية

القمم العربية الدورية المنتظمة

(الأبعاد ... المعوقات ... التداعيات)

الاستاذ عبد الحميد دغبار
-    قمة دمشق نموذجا –


الحلقة 14:
سبق لنا أن  ذكرنا في عناوين سابقة أن قمة دمشق عقدت في ظل ظروف عربية و إقليمية و دولية بالغة التعقيد  , لكن البلد المضيف(سوريا) نجحت في تخطي كل (العقبات) , فحق لها ذلك أن تنفرد بذلك التميز الأول المتمثل في انعقاد القمة في بلدها لأول مرة منذ إنشاء الجامعة مع منتصف الأربعينيات من القرن الماضي .
 وبنجاحها في عقد هذه القمة في مكانها و زمانها المحددين رغم الضغوط و الصعوبات التي واجهتها تكون قد حققت تميزها الثاني, لقد تحقق ذلك النجاح بفضل إيمان الجميع بأهمية الحدث..   
        أما بخصوص ضعف التمثيل و لو نسبيا – في هذه القمة - فيعود إلى (عزوف) القادة العرب عن حضور مؤتمرات القمم العربية إذ أصبح أمرا مألوفا حتى صار في حكم (العادي) ولا يثير الانتباه.
     في هذا الإطار يقول الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية في مؤتمر صحفي بمناسبة انعقاد هذه القمة عن ضعف التمثيل فيها ما يلي: ( كل الدول العربية ممثلة ما عدا دولة واحدة , ولكن ... و سأقوم أنا بنقل ما سيحصل وسأتابعها مع الرؤساء بنفسي ).
       في نفس المؤتمر الصحفي نفى السيد الأمين العام للجامعة كون مقاطعة ( لبنان) للقمة وتخفيض التمثيل بالنسبة لبعض الدول العربية الأخرى, هو محاولة لإفشال قمة دمشق إنما السبب حسب رأيه يعود إلى وجود تعقيدات و إشكالات في العلاقات ت العربية – العربية.
       هكذا إذا يكون موضوع  التمثيل في القمم العربية ( شان سيادي) حسب ما عبر عن ذلك وليد المعلم وزير الخارجية السوري يومئذ في تعليقه على تخفيض التمثيل السعودي باعتبار المملكة ترأس القمة (19) السابقة لقمة دمشق (20) .
      أما بالنسبة لوسائل الإعلام فيلاحظ أنها لم تتخلف عن هذه المسيرة , حيث نقرأ في صحيفة (الثورة ) الحكومية الصادرة في 27 مارس 2008 ما يلي : ( يكفي قمة العرب في دمشق أن الشبح الأمريكي مطرود منها ... يكفي أنها... وربما للمرة الأولى ستخلو كل قراراتها ,و ما تتوافق عليه من كل فيروس أمريكي...)
      كما أوردت صحيفة ( البعث) الناطقة باسم الحزب الحاكم في سوريا يومئذ,  في افتتاحيتها ما يلي : ( إن قمة دمشق نجحت و تجاوزت كل أشكال الضغوط و التشويش ... بدأ من تصريحات المسئولين الأمريكيين, ورغبتهم في عدم انعقاد القمة,  أو عدم المشاركة فيها .. . لقد فشلت الإدارة الأمريكية فيما ذهبت إليه من ضغوط وتهديد . إن سوريا فتحت ...جديدة في الجدار الذي تحاول الإدارة الأمريكية رفعه في وجه كل عربي مشارك ...).
       انه فعلا وصف دقيق للأجواء التي سبقت انعقاد القمة, علما بأن هذه الافتتاحية صدرت في عدد يوم الخميس 27 مارس 2008 أي في اليوم الذي سبق انعقاد القمة.
       أما صحيفة ( تشرين ) الحكومية و الصادرة هي الأخرى يوم الخميس 27 مارس 2008 فكتبت تقول: ( ... إن هذه القمة شكلت محورا لحملة تشويش وتشوبه أمريكية لم يسبق لها مثيل في تاريخ القمم العربية... تغير مكان عقد القمة ثم حاولت تأجيلها, و لأنها لم تفلح أخذت تمارس الضغوط...النتائج كانت على عكس ما تشتهي إدارة (بوش) تماما...).
   
       أما نحن فنقول : إن جميع الضغوط التي مورست على سوريا لإفشال القمة (20) لمجلس جامعة الدول العربية لم تحقق أهدافها , بل على العكس من ذلك وجدنا ذلك ( النجاح) الواضح لسوريا في تنظيم هذا اللقاء السنوي العربي الهام وفي تحقيق نتائج أكثر من (عادية) نظرا لما أحاط القمة من تداعيات و معوقات .
       لقد شكلت قمة دمشق فرصة للملوك و الأمراء و الرؤساء العرب بغض النظر على مستوى التمثيل الذي لا نرى له أي تأثير في أي مؤتمر قمة عربي.
     لقد جلس الجميع في مكان واحد ووقت واحد ليدرسوا ويناقشوا الموضوعات المدرجة في جدول الأعمال, ومن الطبيعي أن تكون هناك( خلافات) في الآراء و التصورات خصوصا إذا ما كانت تلك الموضوعات متعلقة بمستقبل الشعوب العربية و التي سوف تصيب- بالضرورة- آثارها الجميع (شعوبا و أنظمة).
      كما شكلت قمة دمشق فرصة ليتصارح فيها (أهل القمة) أي الزعماء العرب بحيث يستطيع الجميع  التعبير عما يقلقه و ما يتمناه وما يريده , و بلا شك سيصلون في النهاية إلى رسم خطوط للتحرك لا تتناقض ( أي هذه الخطوط ) مع مصلحة أي بلد منهم , كما (يَسدُّونَ)  جميع الثغرات التي يمكن أن يستغلها الطامعون والمتربصون بمصير الشعوب العربية و مستقبلها .
     وبتعبير آخر لقد شكلت قمة دمشق فرصة (تصارح ) فيها أهل القمة بعيدا عن الاحتفاليات و المراسيم و الأحضان المصطنعة و المجاملات , فشكلت بذلك المصالح العليا المشتركة طريق النجاح , انطلاقا من حقيقة أن ما يجمع الجميع هو أعمق مما يفرق .
      والحقيقة في النهاية ما هي إلا توازن بين ( المبادئ و المصالح) و أن اختلاف الرؤى لا يجب أن يؤدي إلى فقدان ( الرؤية) .
     حقا لقد انعقدت قمة دمشق وسط خلافات عربية – عربية بل و انقسامات ملحوظة , لكنها استطاعت أن تبحث في أصل هذه الخلافات وجذورها  , ووضع الحلول الممكنة لها وهي بذلك تكون قد رسمت طريقا عربيا ( جديدا ) يتمثل في ضرورة إعادة النظر فيما كان معتمدا من قبل في هذا المجال .
      كما استطاعت هذه القمة  أن تضع الخطوة الأولى لسياسة مستقبلية عربية جديدة, وذلك تماشيا مع التغيرات العربية و الإقليمية و الدولية, وهو هدف عام تسعى الجامعة لتحقيقه منذ إنشاؤها عام 1945.
     لقد أدركت قمة دمشق الحقيقة و عرفت الطريق ووفرت الأجواء لاستعادة القرار السياسي العربي بعدما كاد  أن يأخذه الآخرون  .
     لقد (رَحَّلَتْ) القوى العظمى إلى المنطقة العربية بجيوشها ( العراق نموذجا) وهي تسعى اليوم (2018)   ويومئذ  كذلك (2008) جاهدة لتقسيمها وفق هواها ومصالحها .
     وإذا كانت قمة الرياض لعام (2007) قد أكدت بأن أمتنا العربية قادرة إذا ما توحدت  صفوفها و تعزز عملها المشترك أن تحقق ما تريده لحاضرها و مستقبلها , فإن قمة دمشق لعام (2008) رفعت هذا التحدي , حيث جعلت من هذه العوامل خطة عمل للمستقبل وهو ما يقرا من خلال القرارات والبيانات و الإعلانات التي صدرت عنها و التي سنتعرف عليها في الحلقة القادمة.

مقال صادر في :

  جريدة وطنية جزائرية للاخبار العامة

العدد 163 ليوم 17 شعبان 1437 الموافق ل 03 مايو 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم على موقع الاستاذ عبد الحميد دغبار
اذا اعجبك الموضوع لا تنس مشاركته