جامعة الدول العربية ...العمق و التداعيات

جامعة الدول العربية ...العمق و التداعيات


الاستاذ عبد الحميد دغبار
الاستاذ عبد الحميد دغبار
عرف العالم العربي مع منتصف القرن  الماضي أهم حدث في مسار تاريخه الحديث من الصعب أن يتكرر لقد كان مشهدا مميزا في مظهره وجوهره وحدثا جاء بعد طول انتظار وفي ظل ظروف تاريخية شديدة التعقيد بالغة الحساسية متعددة المصادر ومشعبة الأهداف والمبادئ و الغايات فكان بذلك شعاعا أضاء سبيل الأمة و أشعرها ببداية تكوين منتظمها الإقليمي الدولي التمييز و المستقر.
انه ذلك الأمل وتلك الأمنية في الوحدة و التحرر وبناء الذات المستقرة الفعالة و المتفاعلة مع الطموح المشروع لجيل جديد بدأ ينظر و يتطلع لإحداث وثبة صادقة و نقلة متزنة وهادفة و معبرة   عن مدى أهمية العمل العربي المشترك القائم على القانون الدولي العام و الشرعية الدولية ومجسد في إطار منتظم دولي إقليمي عربي يضم الجميع ويتحدث بلغة واحدة عن أهدافهم ومبادئهم وروح مسؤولياتهم في مجال تحديات التنمية و بناء مجتمع المعرفة ويؤسس لنهج جديد في العلاقات العربية – العربية من جهة و العلاقات العربية مع الأخر من جهة أخرى ونعني بذلك الدول و المنظمات الدولية العالمية منها و الإقليمية .
الجامعة العربية هل جنى عليها التاريخ أم هي طرف في مساره
لقد جاء هذا المنتظم الدولي العربي الإقليمي في إطار مسار زمني ووضع دولي لم يكن في للقانون الدوالي الإنساني والدعوة لاحترام حقوق الإنسان وتحريم استعمال القوة أو التهديد بها ومحاربة العدوان وحفظ السلم و الأمن الدوليين و التسوية السلمية للنزاعات الدولية و حق تقرير المصير إلى غير ذلك من المبادئ و القواعد و الأعراف الدولية المعتمدة اليوم في العلاقات الدولية ذلك الصدى الذي تعرفه اليوم من حيث قوة الالتزام و الفاعلية و التأثر و على العكس مع كل هذا كان المنتظم العربي ( جامعة الدول العربية ) يمتلك ضمن الأحكام الواردة في ميثاقه العديد من المقومات و الآليات التي تمكنه من التعامل بفاعلية مع كل الأحداث و المبادئ و القواعد القانونية الواردة في هذه المواثيق الدولية و كان بذلك سباقا تاريخيا على الأقل إلى إقرار إجراءات و ضوابط قانونية وعلمية للتعامل معها بروح المسؤولية الجامعية للدول الأعضاء وتحمل تبعات ما يترتب عنها بصفة تضامنية و إن كان لم يستطع فيما بعد مسايرة مراحل التحول الكبير الذي عرفه العالم منذ مهادية الأربعينات من القرن الماضي الأمر الذي أعجزه واخرمه لا في أن يكون ( سباقا هذه المرة) بل ليكون شريكا في صناعة مستقبل هذا العالم فوضع بذلك نفسه في مكان ليس هو المكان الذي كان منتظرا أن يكزن فيه من هنا يمكننا القول أن أخطر ما يمكن ان تواجهه الأمة هو أن تغيب عنها بوصلة القراءة الصحيحة لحجم وعمق المتغيرات
ولعل موضوع حقوق الإنسان في الوطن العربي وتأخر صدور ميثاق العربي الخاص به بأكثر من 40 سنة عن تاريخ  صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان خير مثال في هذا المجال .
وإذا كانت حقائق  التاريخ وظواهره الثابتة على ارض الواقع بمسمياتها الحقيقية تأكد كلها بان جامعة الدول العربية في بداية عهدها لتحتل مركز الصدارة في هذا الميدان فإن معوقات واعتبارات و عوامل عديدة داخلية و خارجية استطاعت ان تجمد كطل متحرك دارك بالمعنى الاستراتيجي لعمق التحولات التي عرفها العالم و توقف الرغبة في التغيير و تحدى من السير الطبيعي للمنتظم والجهود الصادقة لأعضائه حتى انه يبدو للمتتبع للمسار التاريخي للجامعة والمتمعن فيها وصل إليه الدول الأعضاء فيها اليوم ان ما كان يصدر عن القمم العربية التي تعقد في إطارها من قرارات و بيانات و إعلانات لا طعم لها ولا رائحة فهل ي نهاية حقبة و بداية عصر . إن توفر تراكمات تاريخية بهذا الحجم و الأهمية كان من شأنه أن يساعد الجامعة  على التكيف  مع التغييرات المستجدة كما كان بالإمكان أيضا استغلال كل هذه التراكمات قصد إحداث أي تغيير آو إصلاح يكون من شانه مسايرة ذلك النسق العام للمجرى الطبيعي للتاريخ وبالتالي استمرار المسيرة في الاتجاه الطبيعي المساعد على وصول الدول الأعضاء في الجامعة إلى عالم يتميز بالازدهار الاقتصادي و التقدم المعرفي والرقي الاجتماعي.
إلا أن الذي حدث هو انزلاق هذا المنتظم خلال مساره التاريخي الطويل نسبيا من محاولات جادة للحادثة في بداية عهده إلى وهنها فيما بعد فاعتبر ذلك احد اكبر الأخطاء و المخاطر التي تسللت و أثرت في العقل العربي بشكل عام والعمل العربي المشترك بشكل  خاص و الأمن القومي بشكل اخص .

مقال صادر في  : 

  جريدة وطنية جزائرية للاخبار العامة

العدد 148 , ليوم : 24 جمادى الثانية 1439الموافق : 12 مارس 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم على موقع الاستاذ عبد الحميد دغبار
اذا اعجبك الموضوع لا تنس مشاركته