جامعة الدول العربية...ليس من الحكمة الخوف من اختلافنا

جامعة الدول العربية

ليس من الحكمة الخوف من اختلافنا

الحلقة الخامسة
إذا كانت البلدان العربية المنضوية تحت جامعة الدول العربية ليست كل متجانس فإنه بالمقابل لا تجب (المغالاة) في التركيز على الفوارق القائمة بينها وترك القواسم المشتركة، لأن ذلك ما هو إلا إذكاء (للفرقة) المسببة لضعف المنطقة العربية وانقسامها ومعاكس ومخالف أيضا لروح الوحدة التي تعتبر سبيلا للنهضة القومية المشاركة في المنطقة العربية وانقسامها ومعاكس ومخالف أيضا لروح الوحدة التي تعتبر سبيلا للنهضة القومية المشتركة في الوطن العربي وأداة لمواجهة تلك الفوارق فيه.

كما انه ليس من الحكمة أن تخاف أو نخجل في كوننا مختلفون لأن ذلك هو هم عربي قديم متجدد هذا من جهة ومن جهة أخرى كون التعدد لم يشكل يوما حاجزا للتحضر والتطور إذا ما كان هناك تواصل وتآلف اجتماعي لا تصادم بين مكونات المجتمع الواحد ولعل أحسن نقد يمكن أن يقدم هنا هو (سنغافورة) والذي لم يمنع تعدد الأعراق والأجناس فيه من حدوث تطور مذهل في اقتصاده وثقافته والتنافس السياسي القوي والنزيه والديمقراطي في داخله.
إن سنغافورة بلد لا يملك من الثروات التي تؤهله لانطلاقة اقتصادية واعدة – كما هو موجود في العديد من البلدان العربية- لكنه عرف كيف يصنع ذلك التماسك بين أفراد شعبه وتمكنه من أن ينظر ويتطلع لمستقبله وفق إستراتيجية واعية وعلمية وحضارية واعدة.

مستلزمات إعادة الثقة والمصداقية

إن الوضع غير الطبيعي الذي يعرفه وطننا العربي في هذا المجال – على ما نرى وفي حدود حق الاجتهاد- إلى:
أولا: توفير الأرضية اللازمة والمنسجمة مع منطلقات الفكر الوحدوي والذي يمكن أن تجسده على أرض الواقع بصورة كاملة وفعالة جامعة الدول العربية من خلال (التزام) الدول الأعضاء بالقرارات والبيانات والإعلانات الصادرة عنها وليس (احترامها فقط)
 لكون (الاقتراب) منها و(احترامها) هو عمل (معنوي) لا يحقق الأهداف الإستراتيجية لها في هذا المعنى يقول الملك عبد الله بن عبد العزيز في كلمة ألقاها بعد تسلم السعودية رئاسة القمة العربية 2007 م ما يلى:
 (لا أريد أن ألقي اللوم على الجامعة العربية فالجامعة كاين يعكس أوضاعنا التي يراها بدقة. إن اللوم الحقيقي يقع علينا نحن قادة الأمة العربية فخلافاتنا الدائمة. ورفضنا الأخذ بأسباب الوحدة. جعل الأمة تفقد الثقة في مصداقيتنا وتفقد الأمل في يومها وغدها)
ثانيا: ضرورة:
1.    أن تمتد أبصارنا إلى أبعد مدى من أنظارنا لمعرفة أين نحن من هذا العالم الخارجي.
2.    تطوير الأنظمة السياسية (القطرية) بحيث تؤدي إلى قيام (وحدات) ناجحة تسمح ببناء مجتمع عربي متكامل وقادر على الاشتراك في تحمل المسؤولية لكل نجاح أو تعتبر للمنتظم الإقليمي العربي (جامعة الدول العربية) ولعل هذا ما ذهب إليه الإعلام الصادر عن مجلس الجامعة المنعقد على مستوى القمة في دورته العادية الحادية والعشرين التي عقدت خلال شهر مارس 2009 م بدولة قطر في قوله: (نشيد بالجهود المتواصلة التي تبذلها الدول العربية من أجل تحقيق ممارسات الإدارة الرشيدة وتطبيق مبدأ الشفافية والمسؤولية والمساءلة والمشاركة الشعبية، كما نؤكد عزمنا على متابعة الإصلاحات السياسية والاجتماعية في المجتمعات العربية بما يضمن تحقيق التكافل الاجتماعي والوئام الوطني والسلم الأهلي).
ثالثا: فهم استراتيجي عميق للمتغيرات الحاصلة في المحيط الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى نصح العقل السياسي العربي الذي يسعى أن يعرف ويدرك ويفهم لماذا يجب عليه أن يعرف بأن عالم اليوم لا يكتفي في علاقاته المتعددة بمعياري الحق والباطل كما أنه لا يجعل لونين أبيض وأسود وفقط وإنما هناك لون آخر (رمادي) يسمح بالتوافق والتراضي والتنسيق بين توجهات العمل العربي المشترك وإدارة الاختلافات والفوارق العربية- العربية- ولعل الجامعة العربية بمبادئها وأهدافها الكبرى، وما تشتغل عليه من هيئات ومجالس ومنظمات متخصصة عاملة في إطارها هي القادرة –دون غيرها- على القيام بدور المنسق لإرادات الدول الأعضاء في هذا المجال في هذا المعنى يقول السيد عمر موسى الأمين العام لجامعة عام 2007م ما يلي (إن الجامعة العربية ظلمت خلال  الـ 60 عاما الماضية كان هناك عمل كبير أنجزته وضرر كبير منعته وعدد من الفوائد حققتها واليوم نحن نتكلم عن الإصلاح الذي يعني الحديث عن التنمية والحريات العامة وحقوق الإنسان والشفافية وكل هذه الأمور أصبحت على الأجندة) .
رابعا: استفادة الجميع من الحرية والعدالة والرخاء وتكافؤ الفرص، واحترام حقوق الإنسان والشعور بالكرامة وضمان المكانة (للدول الأعضاء في الجامعة وللمنطقة العربية) وهذا لن يكون ممكنا ما لم تكن للجميع شعوبا وأنظمة صدق المواجهة مع النفس والتحلي بالشجاعة أيضا عندها والاعتراف بضرورة بناء الدول على أسس سليمة وعصرية يكون فيها- مثلا- المنصب العام هدفا لمن تتوفر فيه شروطه. ويجب ألا ننسى هنا بأن هذا النوع من الإصلاح (إصلاح الدول العربية) أو ما يعبر عنه في الأدبيات السياسية العربية (بإصلاح النظام العربي) هو الذي سيعطي - بالضرورة - بيئة صالحة وقاعدة صلبة لإصلاح جامعة الدول العربية فإذا لم يتحقق الشرط الأول من المعادلة، فإننا نعتقد أن المطالبة بإصلاح الشطر الثاني منها هو قفز فوق الحقائق الساطعة وتمييع للمطلب واختزال له في صورة باهتة لا منظر لها ولا غاية تؤديها لا ينفع معها استحداث أجهزة ولا اقتراح إجراءات لكون إصلاح الجامعة أو إصلاح النظام العربي هو في الجوهر واحد وإن جرى مجرى الثنائية في الطرح.
مرجعية العمل العربي المشترك:
إن العلاقة القائمة بين الجامعة العربية (كمنتظم دولي إقليمي) والدول العربية 22 (الأعضاء فيها قائمة على أساس متين جوهري الحادي التزامهم بالأهداف والغايات الواردة في ميثاقها والمعاهدات والاتفاقيات المكملة له وظهره المعنوي الصدق وإخلاص النوايا، وقاعدته الثقة المتبادلة وأساسه تكامل الأدوار وتفاعلها لا اختلافها وتباعدها وغايته تخلص الجميع) (دول ومنتظم) من التبعية والضعف في مواجهة الآخر (في هذا المعنى يقول السيد عمر موسى الأمين العام للجامعة: الجامعة مرآة العالم العربي).
من هنا كانت وستبقى الجامعة ذلك المنتظم الذي يشكل مرجعية العمل العربي المشترك من جهة وجهة الحماية وقت الشدة من جهة أخرى، ومن الوهم أن نتصور تراجعها أو تخليها عن هذا الدور. بالنظر لعمق امتدادها في المنطقة العربية فهي أداة للحفاظ على مصالح الجميع ومن ثمة وجب أن تكون لهم نفس النظرة اتجاهها والالتزام بما يصدر عنها. مهما كانت الظروف و(درجة الخلاف).
كما انه من غير المقبول (مهما كانت المبررات) أن يفسر أي نشاط تقوم به الدول الأعضاء في الجامعة. بصفة منفردة أو في إطار التجمعات الجهوية العربية (كمجلس التعاون الخليجي أو إتحاد المغرب العربي) على المستوى الإقليمي أو الدولي بأنه عمل يتناقض أو يتعارض مع الدور (القومي) للجامعة.

مقال صادر في  : 

  جريدة وطنية جزائرية للاخبار العامة

العدد 153, ليوم : 11 رجب 1439 الموافق : 29 مارس 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم على موقع الاستاذ عبد الحميد دغبار
اذا اعجبك الموضوع لا تنس مشاركته