جامعة الدول العربية و الأمن القومي العربي
![]() |
الاستاذ عبد الحميد دغبار |
جامعة الدول العربية و الأمن القومي العربي
الوعي بأهمية التاريخ وتراكماته ومساراته والخصوصية الحضارية للوطن العربي
الحلقة الثالثةإن الأطروحات النهضوية التي عرفها الوطن العربي في القرن الماضي قد أصبحت اليوم – على ما نرى – جزءا من تاريخ الفكر العربي بعدما فقدت تأثيرها وبريقها وراهنتيها وحلت محلها رُؤى آخري تحكمها اعتبارات جديدة ووقائع أوسع وأبعد مدى في التعبير عن الإرادة الجماعية و الملموسة لتفعيل دور جامعة الدول العربية في القضايا المعاصرة وتجاوز ذلك الدور الذي أراد البعض أن تبقى في إطاره دوما والمتمثل في كونها منتظما دوليا إقليميا محدود الأثر و الفاعلية , ونعتقد بان الوصول بهذا المنتظم إلى ذلك الدور المنتظر يتطلب :
أولا: ضرورة الفرز بين ما هو سياسي و ما هو حضاري و ثقافي متفاعل مع التاريخ دون أن يثير فعله ضجة و سلوكه انتقاد وتصوراته خصومة.
ثانيا : جعل الجميع ينظرون (بايجابية ) إلى الوطن العربي بدوله(22) المتجانسة و المستقلة والقادرة على اتخاذ القرارات (القوية ضمن إطار الجامعة ) و المبنية على التحليل الدقيق و الواضح والشفاف و الصريح , و الهادفة إلى حماية المصالح العليا لشعوب الوطن العربي .
وبعبارة أخرى يمكن القول هنا أن مجتمعنا العربي يعاني من ظروف صعبة و شبه استثنائية قد يتعذر – في أحيان كثيرة- تجاوزها ما لم يتم تحقيق جملة من المطالب منها:
الوصول بجامعة الدول العربية إلى مرحلة يكون فيها دورها كمنتظم دولي تأثير مباشر على الإحداث السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و حتى الأمنية داخل المنطقة العربية أولا و ضمن المنظمات الدولية الإقليمية منها و العالمية وكذا المحافل الدولية المؤثرة في القرار الدولي ثالثا . ولعل هذا ما عبرت عنه على سبيل المثال الفقرة الواردة في الإعلان الصادر عن قمة الدوحة لعام 2009 و التي جاء فيها : ( نطالب المجتمع الدولي العمل على تضافر الجهود و تعزيز التعاون الوثيق بين دوله و المشاركة الفاعلة في الجهود العالمية الرامية إلى تنفيذ الأهداف التنموية للألفية و استصال الجوع و الفقر و مضاعفة الحجم المالي للدول الأقل نموا لتضييق الفجوة في مستويات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية بين الدول الغنية و الدول الفقيرة ).
إن دور جامعة الدول العربية الذي نقصده هنا هو ذلك الدور الذي يكون متناغما مع ذلك التحول الذي تعرفه الدول العربية (22) الأعضاء فيها و ليس ذلك الدور الذي يحاول أن يكون ( متأرجحا) بين ( وسطية ) هذه المجموعة و (تقدمية ) تلك المجموعة بدعوى أن مصالح هذه الدول لا تتكامل و إنما ( تتشابك) وخيارات و حسابات ( المكسب) و ( الخسارة) لكل دولة فيما ترى و تفعل له شان في هذا المجال .
إن القوى الكبرى القائمة اليوم في هذا العالم لا تتعامل و لا تسمع إلا صوت من ترى فيه القوة ( بمفهومها الواسع) , و القوة في واقعنا العربي الراهن لا تكون الا مع وجود ( كتلة) عربية متماسكة و موحدة المصالح و الأهداف العامة وفق إستراتيجية واضحة وواسعة وشاملة وعميقة , وتأثير سياسي و اقتصادي و ثقافي و اجتماعي في المحي الإقليمي و الدولي .
إن حسن توظيف كل مصادر القوة هذه مع ما تتم عبه جامعة الدول العربية من مكانة سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي أو على مستوى نظيراتها من المنظمات الدولية التقليمية منها و العالمية و الهيئات و المؤسسات العاملة في إطارها هو الذي يجعل من المنطقة العربية أولا ودولها 2 ثانيا وشعوبيها ثالثا تتمتع بتلك المكانة التي تستحقها على جميع المستويات المحلية و الإقليمية و الجهوية و الدولية.
ثم إن توسيع قائمة الحكم من خلال الاستشارات العشبية و تنظيم الانتخابات الشفافة و النزيهة التي تحمي إرادة الشعوب من كل تعسف في استعمال السلطة.
ولذلك ستبقى الديمقراطية بكل أدواتها ومفرداتها ومعانيها (راية ) العمل العربي المشترك بكل صيغها والأمن القومي العربي بكل أهدافه و مبادئه و أسسه وقواعده و غاياته و أبعاده – متعارضة – على ما نرى مع اعتبار الزعيم العربي له مطلق الحرية في استنباط رؤاه و صياغة تصوراته و لا يسأل عما يفعل . لقد كان منطق الحرية هذا سببا:
1- مباشرا في إعاقة نمو و تطور العديد من المجتمعات العربية التي عرفت الظاهرة ولعل ما فعله الرئيس المصري ( أنور السادات ) حين قرر ( منفردا) زيارة إسرائيل وتوقيعه برعاية أمريكية عام 1979 معاهدة سلام معها خير مثال يقدم هنا , لقد تم بموجب هذه الاتفاقية استعادة مصر لشبه جزيرة سيناء و التي تقدر مساحتها ب 6 % من مجموع مساحة جمهورية مصر العربية .
إن تقديمنا هنا لسعة المساحة المسترجعة بموجب أحكام هذه الاتفاقية لا يعني – مطلقا – التقليل من أهميتها لأننا نؤمن بان كل ارض عربية محتلة (مهما كبر أو صغر حجمها ) لا يمكن التفريط فيها أو التخلي عنها مهما كانت الظروف .
2- في تعميق الانقسام العربي وتجسد ذلك بشكل بارز في ظهور جبهة الصمود و التصدي الرافضة لأحكام معاهدة السلام هذه جملة و تفصيلا .
3- مشجعا على إجراء الاتصالات السرية ولا يخفى ما لخطورة مثل هذا التصرف على مستقبل الشعب و مصداقية دولته .
إن مسألة السرية لا تقتصر في الواقع هنا على ما يلحق عادة بالاتفاقيات و إنما يتعدى الأمر في أحيان كثيرة لحالات أخرى ولعل أحسن مثال يمكن أن نقدمه هنا هو الرسالة السرية و الخاصة التي كان قد بعثها الرئيس الأمريكي ( جيمي كارثر ) إلى الرئيس المصري ( أنور السادات) و قامت بنثرها مكتبة الإسكندرية في إطار توثيق حياة هذا الرئيس ونقلتها جريدة الحياة اليومية الصادرة بتاريخ 7 افريل عام 2009 وما جاء فيها : ( بسبب زيارتك المثيرة إلى القدس وردود الأفعال المصاحبة لها و التقدم النلحوظ الذي تم احرزاه نحو تحقيق السلام في الشرق الأوسط , يرجع ذلك إلى صفاتك القيادية التي أظهرتها مع رئيس الوزراء ( بيغن) من اجل التوصل إلى إنجاح مفاوضات السلام . في رأيي أنك قائد المستقبل القادر على مواصلة هذا التقدم... الشخص الذي يتمتع بالسيطرة على الحكومة تتمتع بولاء أعوانك , فضلا عن تمتعك بثقة الناس في بلدكم , وإعجاب العالم بك , من الضروري أن يبذل كل جهد ممكن من اجل الاستفادة من هذه الفرصة التي لم يسبق لها مثيل إبرام معاهدة السلام بين مصر و إسرائيل ووضع الأسس لاتفاق شامل ودائم للمنطقة بأسرها , فعواقب الفشل في ذلك قد تكون خطيرة جدا وفي رأيي لم يعد هناك شك بعد المناقشة الطويلة بينك وبين رئيس الوزراء (بيغن) أن كل منكما يؤيد تحقيق السلام و لديكما الشجاعة للتوصل إلى اتفاق , لقد حان الوقت لذلك , فعلينا إعادة تجديد جهدنا وعلى أعلى المستويات وبأكبر قدر من التصميم ويحدوني الأمل خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية (سايروس فانس) الى الشرق الأوسط أن يعم التقدم و الوئام من خلال التصريحات الايجابية . وبعد ذلك أود في اقرب وقت ممكن أن أجتمع بكم شخصيا ورئيس الوزراء (بيغن) من أجل البحث عن فرص تحقيق السلام كما تم تخطيطها في (كامب ديفيد )ومن المهم أن يبقى هذا الاقتراح في سرية تامة , فالإعداد الجيد يعد حجر الأساس من اجل إرساء نجاح هذا الاجتماع , ويمكنكم مناقشة تفاصيل المكان و الزمان مع الوزير ( فانس ).
وسيكون من الخطأ التأخير فلا مبرر لذلك , وليس لدي أي تفضيل لمكان , و أملي أن نعمل نحن الثلاثة بجانب كبار المستشارين في عزلة نسبية و أي خطط لعقد الاجتماع يمكن تنسيقها بيننا.
إنني أتطلع إلى فرصة مبكرة للنظر معكم في واحدة من أهم القضايا و التحديات).
وبالمختصر المفيد نقول نحن هنا أن مطلق الحرية في استنباط الرؤى وصياغة تصورات التي حاول من قبل بعض الحكام العرب العمل بموجبها رغم مخالفتها الصريحة و العملية للأسس و القواعد الديمقراطية و لقيام دولة المؤسسات يجب أن ( تختفي) و (تزول) من التاريخ العربي بشكل نهائي لتبقى – بعد ذلك- كمرحلة سيئة الذكر فيه .
ثالثا : الصبر على الشاق وطول السبيل و السير بالتدريج , و بخطوات متدرجة و منتظمة باتجاه( الحداثة السياسية) ولنا في تجار بالدول الغربية المتقدمة خير مثال , إن أحسن ما يمكن أن نقدمه هنا على سبيل المثال هو بناء الديمقراطية في فرنسا و التي ظلت عرجاء و ناقصة و لم تكتمل بالصورة التي هي عليها اليوم الا بعد مجيء الجنرال ديغول في منتصف القرن الماضي حيث أعطى للمرأة حق التصويت للمرة الأولى في تاريخ فرنسا , رغم ما لنا على هذا الرجل من مآخذ تاريخية .
رابعا : الاقتناع بان الخروج من الواقع المعاش ليس مستحيلا بقدر ما هي مرحلة تستلزم المرور عليها للانتقال لما بعدها من المراحل , ألم تعرف أوروبا أوضاعا ( قبل أن تصل إلى ما عليه اليوم) شبيهة ولو نسبيا بما يشهده الوطن العربي في الوقت الحاضر لكنها استطاعت أن تبني مجتمع مدني جديد متناغم و منسجم وقادر عل استيعاب كل المواطنين بغض النظر عن انتماآتهم ( العرقية ) أو ( الطائفية) آو ( المذهبية) أو ( العشائرية ) واختلاف ألسنتهم و لغاتهم ( إن أعضاء البرلمان الأوروبي مثلا لا يتحدثون مع بعضهم البعض و لا يتفاهمون إلا بعد وجود مترجمين بينهم ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق