جامعة الدول العربية ... هل ضاعت فرص النجاح؟

الاستاذ عبد الحميد دغبار

جامعة الدول العربية ... هل ضاعت فرص النجاح؟

(الأمن القومي العربي و مسيرة الإصلاح نموذجا)


الحلقة الثانية :

مبدئيا أقول أنني لا أرى في جامعة الدول العربية إلا احد الفرص الحقيقية للتقدم ونشر العدالة و الرقي و التنمية و التطور المتعدد الأبعاد و المقاصد و الغايات و الأهداف.
بل إنني رأيت فيها تلك العبقرية العربية السباقة لقراءة المستقبل وفق أسس علمية حديثة تتجاوب و تتناغم و تتناسق مع متطلبات و ضرورات العصر ( عصر التقدم الدولي بشكل خاص ) ومن ثمة فهي حاملة ( ضمن أحكام ميثاقها ) القواعد و المبادئ و البصيرة التاريخية التي تسمح لها بالاستمرار و الدوام وسط ذلك الكم المتنامي للمنظمات الدولية العالمية منها و الإقليمية ، فهل مع كل هذا (ضاعت) منها كل فرص النجاح ؟ هل كانت المصالح الخاصة للدول الأعضاء مثلا عائقا أمام تقدم الجامعة وفق ما خطط لها واضعو ميثاقها عام 1945 أما أن (وهج ) الاعتبارات الإيديولوجية و الاتجاهات السياسية المختلفة التي عرفتها دول الجامعة منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي قد أصاب كبريائها في الصميم وعرقلت أيضا المصالح الأساسية للجامعة وحدت من تأثيرها في الوطن العربي خاصة ما تعلق منها بالأمن القومي المشترك ؟
لقد كانت ولا زالت وستبقى جامعة الدول العربية على ما نرى :
1 – ذلك المنتظم الدولي الإقليمي العربي المتمتع ( بالشرعية القانونية ) وبصلاحية التعبير عن الإرادة الجماعية لأعضائه على المسرح الدولي من خلال ( القرارات و البيانات و الإعلانات ) التي تصدر عن مؤتمرات القمم التي تعقد في إطارها وتعطي للرأي العربي العام تلك الأهمية المطلوبة لإظهار وزن الإرادة الجماعية للأمة إقليميا ودوليا ، ولا ننسى بأن جوهر التحرك على المسرح الدولي هو تحرك إرادات بالأساس .
2 - الراعية للمشروع التحرري في الوطن العربي بإبعاده السياسية و التنموية و الاجتماعية و المعرفية و الاقتصادية الثقافية .
3 – ضمير المجتمع العربي و أداته في العمل المشترك و الحامية لدوره من ( الضياع ) و موقفه من (الضعف  و الانقسام ) ، والحاملة للأوصاف الكاملة لمؤسسة دولية  وحدوية  تنسق عمل الدول الأعضاء ، و العاكسة لإرادتهم في تسيير الشأن الجماعي ، و ( البيت ) الذي يلتقون فيه للتحاور و التشاور في الشأن العربي العام ، و التفكير في مواجهة التحديات الحاضرة منها و المستقبلية ، بل أن السيد ( عمرو موسى ) الأمين العام السابق للجامعة يرى في هذا المجال بأن الجامعة يمكن أن تكون أهم منظمة إقليمية على وجه الأرض حيث يقول : ( أرى أن هذه الجامعة لو زودت بالكوادر المدربة كما يجب لأصبحت أهم منظمة إقليمية على وجه الأرض ).
4 – تلك ( السفينة ) التي يشترك في امتلاكها الجميع و الحاملة للجميع على ظهرها ، ومن هنا كان الجميع :
أ – ملزمين ( التزام تاريخي و أخلاقي و قانوني واجتماعي وثقافي و اقتصادي و سياسي و أمني أيضا ) بالعمل على عدم تركها لوحدها في خضم الأمواج المتلاطمة .
ب – مسؤولين ، أمام الرأي العربي العام – بالخصوص – عن إخراجها ( بمن فيها ) إلى بر الأمان في هذا المعنى يقول أيضا السيد عمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة ما يلي : ( كأنني أعلم أن رأس مسؤوليتي هو حماية هذا البيت العربي من التصدع بل وتطويره و تحديثه ، وفي الوقت الذي اعتقدت أن ثمة نجاحا بدأ يتحقق على هذا الطريق نجد البيت العربي مهددا بالانهيار مرة أخرى لان العيب يكمن داخل أسرة البيت العربي أكثر من خارجه ، أتمنى أن نتمكن قبل فوات الأوان من استعادة الوعي و استعادة الروح و الإرادة و العزيمة ).
ج – في نفس الوقت من واجب الجامعة ( بجميع منظماتها و مجالسها المتخصصة ) أن تكون معبرة عن مشاعر و غايات وتطلعات الدول الأعضاء ، وحريصة على اسمرار المنهج المعبر ( بصدق ) عن الرأي العربي العام طالما أنها تملك مقومات لذلك .
ذ – نظرا لوجود العالم العربي ( جغرافيا ) في منطقة حيوية و إستراتيجية تتعاظم فيها فرص الصراع و المنافسة الدولية فان الأمن القومي العربي المشترك أصبح :
•    من الأولويات و موصول بأزمات المنطقة .
•    الآلية المعبرة عن الضمير الجمعي الذي لا يسمح لأحد بالخروج عنه.
•    كل لا يتجزأ فما يمثل خطرا على دول اتحاد المغرب العربي مثلا أو دول منطقة الخليج هو بالضرورة يمثل تهديدا لجميع الدول العربية .
والجامعة العربية هنا هي الأداة و الوسيلة المثلى و الفعالة لتحقيق كل هذه المستلزمات .
إصلاح مسيرة الجامعة بين شرعية المطلب وواجب التغيير في ملامح الأنظمة السياسية العربية القائمة و أثر ذلك على الأمن القومي العربي .
إن جامعة الدول العربية ما هي في الحقيقة -  إلا مجموعة الدول العربية – وانعكاس في نفس الوقت لواقعها ، إلا أنه بالمقابل يجب عدم الخلط بين :
1 – الجامعة كمنتظم دولي إقليمي حائز على الشرعية و جدارة القيادة و التمثيل.
2 – الدول العربية الأعضاء في المنتظم و عبء الدور المنوط بها في إطاره .
إن الإشكالات و الصعوبات التي يعاني منها التقارب العربي – العربي – ما هو – في الواقع – إلا حديث عن ظاهرة صحية ايجابية لابد منها لتأسيس نظام عربي واضح مبني على :
أ -  التنسيق و التعاون و التكامل على مختلف المستويات.
ب – الصراحة و الشفافية وقبول تباين وجهات النظر دون تسفيه لرأي أو احتكار لموقف لكون الجميع يسعى هنا كدول لبلوغ مستوى راق من الاتفاق  التفاهم حول ما يطرح فيها من قضايا إقليمية أو دولية وما تريد تحقيقه من مصالح تهم الشأن الداخلي لها ، ولا مانع هنا – على ما نرى- من أن يستفيد العرب كدول لهم حدود مشتركة بمساحات واسعة ، كالعراق و الكويت أو سوريا ولبنان أو مصر و السودان أو الجزائر و المغرب من تجربة التقارب الفرنسي – الألماني كنموذج حديث أنهى مرحلة عداء دامت عقود طويلة بين البلدين لكنهما أصبحا اليوم أكبر دولتين حليفتين داخل الاتحاد الأوروبي ، بل بمثابة النواة و المحرك الأساسي لقطاره .
كما أنه من المفيد أن يكون المكان كله هنا للحظة الراهنة لان الماضي العربي مهما احتوى من صفات التقديس و الانتصارات العظيمة لا يمكنه أن يكون بديلا عن الحاضر لذلك ينبغي أن يكون حديث الجميع ( دول و مؤسسات ونخب) منصبا حول المستقبل و ملفاته السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الأمنية ، بالإضافة للقيم الإنسانية المتفتحة على الحياة و التي تجعل الإنسان ( ونعني به المواطن العربي عموما  ورجال الفكر و الثقافة خصوصا ) كائن يفكر.

مقال صادر في  : 

  جريدة وطنية جزائرية للاخبار العامة

العدد 150, ليوم : 2 رجب 1439 الموافق : 19 مارس 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم على موقع الاستاذ عبد الحميد دغبار
اذا اعجبك الموضوع لا تنس مشاركته